إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الرّحمة، ما ترك خيرًا إلاّ ودَلَّ أمّته عليه، ولا شرًّا إلاّ نهاهم عنه، وقد عَلّم صلّى الله عليه وسلّم صحابته وسائر أمّته من بعدهم صلاةً إذا اهتمَّ العبد بأمر من أمور الدّنيا والدّين، فينقلب ذاك الهمّ والحيرة اطمئنانًا وسكينة، لأنّ صلاة الاستخارة معناها تفويض الأمر كلّه إلى ربّ العالمين لييسّر ما فيها الخير والشّر حيث كان، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يُعلِّم صحابته الاستخارة في الأمور كلّها. وقد ثبت من حديث جابر رضي الله عنه نصّ الدّعاء الّذي يقرأه المستخير بعد ركعتين من دون الفريضة وهو: “اللّهمّ إنّي أستخيرك بعِلمك، وأستقدِرُك بقُدرتك، وأسألُك من فضلِك العظيم، فإنّك تَقدِر ولا أقْدِر وتَعلَم ولا أعلَم وأنتَ عَلاّم الغُيوب، اللّهمّ إن كنتَ تعلَم أنّ في أمري هذا ويُسمِّي ويذكُر حاجته - خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقْدِرهُ لي ويَسِّرهُ لي ثمّ بارِك لي فيه، وإن كنتَ تَعلَم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفهُ عنّي واصرفني عنه واقْدِر لي الخير حيث كان ثمّ رضّني به” رواه البخاري. وليس صحيحًا ما يُقال إنّه بمجرّد أداء هذه الصّلاة فإنّ المستخير سيرى رؤيا في منامه يتّخذ على أساسها قراره النهائي في أمره ذاك، بل هذا من قبيل الشّعوذة والدّجل، والصّحيح أنّه بأدائها تتيسَّر الأمور إن كان فيه خير وتُصرَف إن كان فيه شرّ. أمّا عن وقت صلاة الاستخارة فتجوز في كلّ وقت ما عَدا الأوقات الخمسة الّتي يحرم فيها صلاة النّافلة وهي: بعد الفجر، عند الشّروق، قبيل الظهر “الهاجرة”، بعد العصر، وعند الغروب. وقد اعتبرها بعض العلماء والمحقّقين من الصّلوات ذوات الأسباب الّتي يجوز أداؤها في أي وقت ولو بعد العصر أو بعد طلوع الشّمس قدر رُمح مثلاً، وعلى الاختلاف فلا ينكر أحد على أحد خاصة في المسجد الّذي نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رفع الصّوت فيه وعن إحداث الفوضى والصّخب، ومن المؤسف أن يتخاصم المسلمون ويتقاطعوا لأجل هذه المسائل الفرعية المختلف فيها، بل من الواجب أن يحترم كلّ أحد رأي وموقف أخيه المبني على دليل قوي. ومثال ذلك تحيّة المسجد، فالبعض يُصلّيها ولو في الأوقات المنهي عن الصّلاة فيها لاعتبارها من ذوات الأسباب ولورود أحاديث قويّة توجب صلاة تحيّة المسجد على مَن دخل المسجد عمومًا، وغيرهم يسقطون وجوبها على مَن دخل المسجد في تلك الأوقات وهو الرّاجح في المذهب المالكي وعند غيره من بعض العلماء، والله أعلم.