تتجه الحكومة بعد تسجيل ارتفاع محسوس لنفقاتها وانكماش إيراداتها إلى تحميل المواطن جزء من هذه النفقات، من خلال العودة إلى تطبيق إجراءات ضريبية وجبائية على بعض المنتجات والمواد والتعاملات، وبعد غياب مثل هذه التدابير في قانوني المالية 2013 و2014 عادت الحكومة "مضطرة" لاعتماد إجراءات جبائية سيتحمل المواطن جزء من تبعاتها. بغض النظر عن سياسات الدعم المعتمدة والتي تلقى تحفظات، لاسيما وأن جزء معتبر منه لا تستفيد منه الفئات الفقيرة والمعوزة وارتفاع قيمتها إلى حدود 21 مليار دولار بنسبة زيادة بلغت 6.4 في المائة مقارنة بقانون مالية 2014 أو ما يعادل 9.1 في المائة من الناتج المحلي الخام، منها 65.3 في المائة تحويلات تخص دعم الأسر والسكن والصحة، فإن السلطات العمومية اعتمدت عددا من الإجراءات التي تهدف من ورائها تأطير وتنظيم قطاعات معينة أو امتصاص جزء من التكاليف والأعباء التي ستقع في النهاية على عاتق المواطن. وأول القرارات التي اتخذت في هذا المجال تخص رفع قيمة الدمغة الخاصة بجواز السفر “البيومتري” من 2000 دينار إلى 6000 دينار، بعد أن كان المقترح الأول 10 آلاف دينار، أي أن المواطن سيدفع ثلاث مرات القيمة السابقة للدمغة. وبررت السلطات ذلك بمضاعفة مدة صلاحية جواز السفر، وإن كان الواقع هو التأخير الكبير المسجل في اعتماد جواز السفر والتكاليف المتعلقة بالتجهيزات التي تم اقتناؤها، لأن تمديد المدة لا ينجرّ عنه تكاليف إضافية، بل العكس لأنه يسمح باستخراج وثيقة واحدة في ظرف عشر سنوات بدل وثيقتين في نفس المدة. في نفس السياق، ستعرف أسعار السجائر ارتفاعا بمعدل 10 دنانير لكل علبة على خلفية الإجراءات الجبائية المتخذة بخصوص هذه المادة والتي تدخل في إطار محاولة السلطات المساهمة في التقليل من الاستهلاك وإن كانت التجربة بيّنت أن رفع الأسعار لم يساهم كثيرا في بلوغ مثل هذا الهدف، باستثناء الرفع من الإيرادات المتأتية من مجال يعرف مداخيل جبائية معتبرة. أما على مستوى المؤسسات، فإن الشركات الإنتاجية ستكون من جهة مضطرة إلى التعامل مع واقع جديد يتمثل في تعديل المادة 150 من قانون الضرائب المباشرة، حيث تم رفع الرسم على أرباح الشركات للمؤسسات المنتجة من 19 إلى 23 في المائة، بينما خفض الرسم من 25 إلى 23 في المائة لمؤسسات الخدمات والاستيراد، وهو ما يعني أعباء جديدة على مؤسسات الإنتاج المحلية، لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمصغرة، يضاف إلى ذلك توسيع نطاق فرض الرسم الجزافي على المهن الحرة، فضلا عن التجار الصغار. ومثل هذه الإجراءات ستنعكس على كافة التعاملات التي يقوم بها هؤلاء، وبالتالي على المواطن الذي سيدفع قيمة إضافية نتيجة ارتفاع الأعباء. على صعيد متصل، تم فرض رسم ب17 في المائة على كافة العمليات والمبادلات المتصلة بالعقار والسيارات المستخدمة. وإذا كانت السلطات تهدف من ورائها تأطير السوق الموازي وتقليص المضاربة، فإن المواطن أيضا يمكن أن يكون الحلقة الأضعف في هذا المجال مع انتشار المضاربة.