تحضر المأساة الأندلسية في السيرة الروائية الجديدة لواسيني الأعرج، التي تصدر قريبا عن دار الآداب في بيروت بعنوان ”عشتها كما اشتهتني”، ويعود من خلالها لمعاناة جدّه الأول مع محاكم التفتيش لتصل إلى جبل تيغراو، أو جبل النار، وهو الجبل البركاني الذي نزل فيه الجد الأول ”الرّوخو” أو الأحمر، الذي غادر الأندلس مسقط رأسه منكسرا ومنفيا بعد حرب لم تكن عادلة. أبدع واسيني الأعرج في عمله الأخير، الصادر بعنوان ”عشتها كما اشتهتني” أجواء رواية متميزة، توغلت في التاريخ الأندلسي وتاريخ الجد الأول بشكل حميمي، لتصل إلى الحفيد بعد قرون وهو في الجزائر، وقد ولد أثناء قيام حرب التحرير، وعاش مأساة العشرية السوداء. وبالعودة لحرب لاس بوخاراس أو جبال البشرات، في آخر مقاومة أندلسية شارك فيها، بين سنوات 1568 و1571، في صحبة الدون فردناندو دي كردوبا (محمد بن أمية صاحب الأندلس وغرناطة)، نجد الجد وهو من المقاومين الذين رفضوا الاستسلام لوضع كانت محاكم التفتيش المقدّس سيدته الكبيرة. يعيدنا واسيني للمأساة الأندلسية، ومحاولات المقاومة بعد أن أعلن الموريسكيين استقلالهم، واستعدّوا لخوض معركة الحياة والموت ضد الامبراطورية الاسبانية، ثم يعرجّ على أحد أبشع مظاهر محاكم التفتيش حيث أحرق الكاردينال خمنيث أمام الملأ كتب الأندلس، ولم يستثن منها سوى 300 كتاب من كتب الطب. ومن مأساة الجد يجيئ واسيني لمأساته خلال العشرية السوداء، فيسترجع مانشيت خبر اغتياله كما قرأه في جريدة وطنية تصدر بقسنطينة ”اغتيال الروائي الجزائري واسيني الأعرج. وبعد الجد تعود ذكرى الأب، ونقرأ: ”أبي سافر في وقت مبكر إلى فرنسا. ليقف بعدها عن الشرخ الكبير الذي حدث في داخله. وكتب ”فقدت طفولتي نهائيا وشعرت بأنني كبرت بسرعة. ليملأه شيء من جده الروخو لدرجة أنه لم يترك متسعا لغيره في قلبه وهواجسه. جاء كتاب واسيني محملا بقوة اللغة وتدفّق السرد، بشكل جعل السيرة تدخل مملكة الرواية من بابها الواسع.