عاد الكاتب الجزائري واسيني الأعرج إلى الساحة الأدبية بإصداره الجديد الموسوم ب”البيت الأندلسي” عند دار الجمل اللبنانية، وهي الرواية التي أراد الكاتب من خلالها أن يعيد الاعتبار إلى ثقافة الأندلس في الجزائر بالتركيز على العمران في جانبه التاريخي دون الابتعاد عن روح القصة، فكانت البداية مع غلاف الكتاب الذي يرجع إلى بيت أندلسي وهو قصر الداي ركّز الأعرج في الرواية التي ستصدر في الجزائر عن دار الفضاء الحر، مع بداية معرض الكتاب بالجزائر، على الذاكرة في جانبها الهندسي، والتي كتب فصولها وهو متجول بين باريس وإسبانيا. وقد اشتغل الأعرج في النص الجديد على الموروث العمراني الذي اختصره في حكاية ”البيت الأندلسي” الذي يعود به إلى قصة ڤاليليو وزوجته سلطانة ألونسو التي أرادت أن يكون لها بيتا كالذي رأته على هضاب غرناطة فكان لها ذلك، لينتهي به الزمن إلى مراد باسطا وهو الشخصية الرئيسية في العمل والوصي على المخطوطة التي تعود إلى جده سيدي أحمد بن خليل الروخو أو ”غاليليو”. وقد ركّز الكاتب في الشطر التاريخي للرواية وبكثير من الدّقة والتفصيل على رحلة هذه المخطوطة التي ترسم تاريخ عائلته من الموريسكيين الذين فرّوا بهويتهم وثقافتهم من الأندلس إلى الجزائر قبل أكثر من أربع قرون والتي كتبت بلغة الخيميادو وهي اللغة التي تكتب بها نصوصهم وتاريخهم وحتى النص القرآني، فكان باسطا آخر وصي عليها وراعي هذه المخطوطة، وكذا الوصية التي تقول ”لا تتركوا البيت الأندلسي ولو عشتم فيه خدما” وهو ما أراد به الروائي تأكيد ضرورة الوفاء للهوية الثقافية. ويحكي الكاتب في هذه الرواية عن مختلف المراحل والأحداث التي يعرفها البيت وبعيدا عن التأريخ الذي ليس من اختصاصه، إذ يسترجع مع أبطال روايته الذين يخيل إليك أنه عايشهم واستمع إلى حكاياتهم وأحلامهم وهمومهم بكل تفاصيلها، كيف اغتصب القرصان الدالي مامي البيت بعد وفاة ?اليليو وزوجته ، قبل أن يشتريه حسن الخزناجي لابنته خداوج العمياء وقراره بقبول عودة العائلة إلى هذا البيت، وكيف حوّل خلال فترة الاستعمار الفرنسي البيت إلى بلدية، ثم إلى إقامة لنابليون الثالث وزوجته. ليتحوّل بعد الاستقلال إلى حانة قبل الوصول إلى قرار إزالته وبناء برج في مكانه، فكان آخر طلب لمراد باسطا آخر أحفاد غاليليو قبل موته في تحويل البيت إلى مكان للموسيقى إلا أنهم يصرون على تهديمه. وهي النهاية التي ربما أراد الكاتب من خلالها القول إن الجزائر لم تنجح إلى الآن في أن تتصالح مع ماضيها والحفاظ على موروثها العمراني. والمثير للانتباه أن فصول الرواية لم تبتعد كثيرا عن بنية الموسيقى الأندلسية التي أراد الأعرج أن ينحت بها عناوين وفصول روايته والتي بدأها بالاستخبار الذي ربطه ببطلة العمل ماسيكا إلى التوشية والنوبة والوصلة. كما اعتمد الكتاب على أسلوب الاسترجاع فكان ينقل القارئ بين الأحداث وشخوص الرواية بسلاسة دون اعتبار للزمن الذي تجاوز أربعة قرون، وهو ما أعطى صورة متكاملة بين الماضي والحاضر.