يعتبر الأديب واسيني الأعرج في هذا الحوار أن كل زميل في الكتابة هو صديق، رافضا الغوص في متاهات الخلافات وتصفية الحسابات التي أرقت الوسط الثقافي الجزائري.. قريبا من الأدب والحب وأحلام مريم الوديعة وبعيدا عن النقد لأجل النقد فتح واسيني الأعرج قلبه ل »صوت الأحرار« بما هو أثمن من أن يكتب وأغلى من أن يشترى قناعاته في الحياة، رأيه في النقد والترجمة و»الخارجون عن القانون«، موقفه من المثقف الجزائري ورؤيته إلى فرحة الجزائر في المونديال وغيرها من المستجدات باح بها أخيرا في ليلة ثامنة بعد الألف فكان هذا الحوار. نبدأ من آخر رواية نشرت هي »أنثى السراب«، إذ تحمل هذه الرواية الكثير من نقاط التقاطع بين حياة واسيني الأعرج، فكل اللحظات التي تم وصفها عن الحياة والموت وتلك اللحظة التي تفصل التشبث بين عالمين، هل هي حقائق عاشها الدكتور واسيني الأعرج؟ أية كتابة كيفما كانت لا تنطلق من فراغ، الذي يكتب هو إنسان له أحاسيس ومشاعر لا يمكنه أن يسلخها من ذاته. بالنسبة لي ومن حيث المبدأ لا توجد كتابة منفصلة عن صاحبها، في التفاصيل الحياتية أعترف أن حتى اسمي موجود في الكتاب لكن هل أنا »س« اسم الشخص الأساسي هو واسيني الذي يعرفني يمكن له تشريح الرواية وسيربط العلاقات لكن من لا يعرفني ستمر عليه الرواية مرور الكرام ويقتنع أنه نص أدبي، فعلا هناك الكثير من سيرة واسيني في الرواية لم أجد حرجا في توظيفها وللإحالة المرجعية دورها في كشف المستور. بعض الوقائع المعنية بالمرض، هذه وقائع حقيقية عشتها محكية حرفيا حسب إحساسي بها، بعض الرسائل حقيقية سواء التي تلقيتها أو كتبتها في الواقع الموضوعي. لكن ما هي النقطة الفاصلة بين ما نتخيله وما نعيشه وبين ما نخلقه من شخصيات- حسبك- كأديب ؟ بالنسبة لي أحيانا ما نتخيله أقوى مما نعيشه ويملك حضورا قويا فينا، مثلا وصف لقاء غرامي المهم في اللقاء ليس اللحظة التي يلتقي فيها اثنان تلك اللحظة الحقيقية بل حيثياتها أي ما قبل وما بعد الموعد ، المخيال هو الذي يصنع العالم الحقيقي ويحدد علاقتي بالشخص الآخر، لذا أنا أعتمد عليه كثيرا في كتاباتي لأنه جزء مهم في حياتنا وخاصة في حياة الكاتب الروائي. القارئ لروايات واسيني الأعرج يلاحظ شخصية مريم التي تطبع جل رواياتك من »طوق الياسمين« إلى »سيدة المقام« وصولا إلى »أنثى السراب«، تطاردك في كل رواياتك، ما سر هذه الشخصية؟ نعم، مريم حلمي وواقعي وذاكرتي المكبوتة والمباحة، مريم حبيبتي وصديقتي وإلهامي، هي شخصية لا بالحقيقية المحضة ولا بالوهمية المحضة تجتمع فيها الأضداد. قد يقودني كلامك إلى سؤال آخر، ما سر حضور الأنثى في كتابات واسيني أو ارتباطك غير العادي بها، حتى عناوين رواياتك: سيدة المقام، أنثى السراب.. وغيرها ؟ علاقتي بالأنثى مبنية في علاقتي بنفسي أولا كبرت في وسط نسائي والدي استشهد في سنة 59، الوالدة تشتغل لتعيل العائلة، ربتني جدتي والخالات وبنات الخالات والعمات، لذا وجدت نفسي محاطا بعالم أنثوي وهذا العالم يعجبني كثيرا، هو عالم حساس يعجبني تكوين المرأة ثم أنا لا يهمني الجانب القوي في الإنسان بقدر ما تهمني هشاشته. ربما يعكس هذه القناعة ما تقوله في كتابك حول الأمير لأنك ركزت على إنسانيته وليس على قوته كزعيم ؟ صحيح لأنني أعتبر أن الهشاشة مرادفة للقوة، الوسط النسائي الذي كبرت فيه ربى عندي ارتباطي بالأنثى، الأمر الذي أعتبره إيجابيا وأكتب عنها من منطلق إعجابي بها واقتناعي بوجودها مستقلة عن الرجل وليس أبدا تعاطفا أو من باب المجاملة. المسرح المحترف في دورة خامسة، المهرجان الدولي »الفيلم العربي« وغيرها من المهرجانات التي تم استحداثها ثم تأسيسها، ماذا قدمت هذه المهرجانات هل هي إضافة للواجهة الثقافية في الجزائر في ظل غياب النقد الأكاديمي الموضوعي؟ سأتحدث عن المهرجان الوطني للمسرح المحترف كوني أتابع فعالياته عن كثب، المهرجان في حد ذاته مكسب جميل، وهو تحد يفرض نفسه بالنظر إلى التحطيم الكلي لمعظم الأطر الثقافية عندنا، نحن نخرج للتو من دمار كلي ليس فقط البنية الثقافية بل حتى البنية النفسية محطمة كليا، لذا وجود مسرح بغض النظر عما يمكن قوله فإنه حافظ على وجوده هو اليوم في الدورة الخامسة هناك عروض تقدم يوميا على مدار 14يوما وجمهور جزائري وعربي، لذا أعتبر أننا كسرنا الشيء الذي يعطل الحياة ثم هناك مجتمع ثقافي نعيشه ويخلق من جديد، لأن العلاقات الإنسانية أهم بكثير وهذا التقليد أعتبره مدة للفرح الثقافي. لكننا وصلنا إلى درجة من الاحترافية تستحق النظر إلى المسائل بنضج وقسوة أكثر، لذا يجب الاختيار الاحترافي لكل المسرحيات التي دخلت منافسة المهرجان الرسمية أي نعم مع إعطاء الفرصة للشباب لكن فنيا يجب التوصل إلى نضج في اختيار العروض والتعامل بقسوة أكثر مع كل مشارك. لكن هناك معطيات تدفع الحركة الثقافية نحو الأمام أهمها وجود نقاد أكاديميين ذوي خبرات ومؤهلات فنية، ألا ترى أن هذا المؤشر غائب عن كل مواعيدنا الثقافية؟ النقد الجامعي موجود لكن ليس له تأثير لأنه لا ينشر في مكتباتنا الوطنية والجامعية، التخصص الثقافي الإعلامي في المسرح غير موجود وهذه مشكلة في كل بلداننا العربية، وجود مجلة متخصصة في الكتابة المسرحية أيضا غير موجود وهذا نقص لا يخدم نهضة المسرح عبر العالم ليس في الجزائر فقط. في رأيك لماذا تسجل الصحافة الجزائرية غيابا على امتداد صفحاتها الثقافية في المسرح والسينما والفن التشكيلي بمراعاة صعوبة كل فن على حدة؟ أرجعه إلى غياب تكوين في هذا السياق، يا حبذا لو تقوم الجرائد بتربصات لصحفيي الصفحات الثقافية عبر توجيهها في السياق الصحيح وخلق اهتمام أكثر بالصحافة الثقافية أصلا. اخترت الإقامة في باريس، وبصفتك متتبعا للحركة الثقافية في الخارج أيضا، كيف تقيم إدارة ياسمينا خضرا للمركز الثقافي الجزائري في باريس، هل أضاف أشياء جديدة ؟ أنا مفصول عن كل ماهو مؤسساتي، إذا كلمني مولسهول للمشاركة في أمسية ما ألبي الدعوة وهنا تنتهي العلاقة. أنا مقتنع أنه ليس هناك هيئة تمثل الأدب، الأدب يمثل الكاتب إذا كان جيدا أو رديئا أنا أتحمل المسؤولية، الأكيد أن المركز يلعب دورا رئيسيا باعتباره واجهة للثقافة الجزائرية، أنا مهتم برواياتي والكتابة منفاي الوحيد. على غرار أي جزائري عاش واسيني الآخر اللحظات التاريخية لفوز المنتخب الجزائري على نظيره المصري وتأهله للمونديال )يقاطعني( ..... ماذا فعلنا، هل استثمرنا في فرح الجزائريين بامتصاصه وتحويله إلى نجاحات أخرى مع الوقت إلى ضغينة وكره وحقد؟ أنا لست ضد الشعب المصري بل ضد الزعران الذين اتخذوا من أنفسهم أربابا، لماذا تم تسييس كل تلك الفرحة ونحن من حيث لا ندري حولناها إلى قضية سياسية يا غالب يا مغلوب ووسائل الإعلام تتحمل مسؤولية ما حصل. كذلك لا يجب توهيم الشعب حتى لو أخذنا كأس العالم، وبعد لا تزال الجزائر تتخبط في مشاكل أكبر من كرة القدم، أنا مع الفرح العاقل وضد تخدير الشعب الجزائري. ماذا لو نخسر، الانكسار سيكون كبيرا ويأتي على قدر الفرح تماما وأخذ الأمور بتوازن وأكبر مكسب للجزائر أنه أصبح لدينا روح مشتركة بين الجزائريين والمهاجرين في مختلف أقاصي العالم، توحد الجزائري مهما بعد وهذا أكبر مكسب للشعب الجزائري. نعود إلى المسرح، هناك اشتغال على تحويل رواية "سيدة المقام" إلى عمل مسرحي، ألا تتخوف من هذه المغامرة؟ مراد سنوسي مزج بين أنثى السراب وسيدة المقام في فكرة أعجبتني ولا أملك الحق في كشفها، مهمتي تنتهي هنا وفي النهاية هناك تأويل وله أهله وخاضع لرؤية المقتبس ثم المخرج ما يهمني أنني خلقت وسيلة اتصال من خلال نصوصي وسيكون العرض جاهزا السنة المقبلة بحول الله. البيت الأندلسي رواية تشتغل عليها حاليا، حدثنا عنها أكثر ؟ أكتب هذه الرواية وأنا متجول بين باريس واسبانيا، تنقلت إلى أماكن كثيرة، منها اسبانيا، أمريكا وتحديدا في لوس أنجلس والتي فوجئت أنها تحوي على هجرة أندلسية كبيرة وحتى من الجزائريين. تحدثت على مختصر الثقافة الأندلسية في جانبها العمراني وركزت على الأندلس في جانبها الهندسي الحامل لثقافة معينة أندلسية أعادت بناءها انطلاقا من معطيات مادية. الأحداث تدور في قصر وما حصل فيه من صراعات بين الورثة، هي رواية قاسية تتناول الظواهر المستجدة عن الفساد والمهربين رغم أن عنوانها جميل ورومانسي. أثار فيلم »الخارجون عن القانون« مؤخرا جدلا واسعا بالنظر إلى الخلفية التاريخية بين الجزائروفرنسا، في أي خانة تصنف الفيلم؟ أنا مع فيلم »الخارجون عن القانون« لأنه يضع فرنسا في مكاشفة مع ذاكرتها، وذاكرتنا نحن أين هي، هل وقفنا وقلنا ما يجب أن يقال، هل يعرف الجيل الجديد كيف قتل عبان رمضان حقا. هناك غياب كلي لأي مذكرات تؤرخ للتاريخ الثوري وعوضوا هذا النقص بالخطابات الجافة والجاهزة. أنا أطالب من كل من ساهم في الحركة الوطنية بكتابة مذكراتهم في لحظة نخوة وصدق. ماذا لو تقرر المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد كتابة مذكراتها أليس ذلك حلما بعيد المنال ؟ جميلة بوحيرد أيقونة الجزائر، الجزائري يرى نفسه من خلالها وأنا أتأسف لما يحدث، جميلة بوحيرد أكبر من أي خطأ، هي رمز اختزل تجربة وطن بكاملها، لا تزال صورتها لاصقة في ذهني عندما عرض فيلم »محامي الرعب« لجاك فير جاس وأتذكر جيدا اللقطة ، عندما تم إبلاغها بأنه محكوم عليها بالإعدام كيف ضحكت وقالت أنها مستعدة للتضحية من أجل وطنها، يمكن أن أقول اليوم وبكل صراحة أن الجزائر غير متصالحة مع ذاكرتها لذا نجد أن رموزها ليست في المكان الذي تستحقه. آخر سؤال يتبادر إلى ذهني فكرة قلتها في إحدى الحصص التلفزيونية، قلت يومها أنا عشت الحياة كما اشتهتني، ألا تظن أنك في ظل هذا المشوار الحافل عشتها كما اشتهيتها أنت ؟ أنا عشت يعني أن هناك إرادة وخيارات شخصية لكن الحياة عشتها كما أرادت هي لأنه لها قانونها أيضا. هناك لحظات لا يعيشها إلا كاتبها وهنا تتجلى مهمته وبراعته في الكتابة، حيث يدخل القارئ في عالمه هو يجعله يصدق هذا العالم ثم في لحظة يكتشف أنه داخل عالم الكاتب الذي يشتهيه عالم الخيال. أنت خارج الصراع كيف ترى الحركة الثقافية من الخارج خصوصا تلك الحسابات التي تحدث بين مثقفينا في الداخل؟ كان خياري الشخصي أن أبقى خارج الصراع وانصرفت للكتابة بسلام، الطاهر وطار زميل عزيز أحترمه وإن أنا أختلف معه في الكثير من الآراء حول بعض القضايا لكن الاختلاف لا يفسد للود قضية، كذلك يوسف زيدان وكل ما حصل وما قاله عني في أحد المحطات التلفزيونية. أنا مع النقاش في إطار حوار راق وجدي وأرفض تماما أن أدخل في تصفية حسابات شخصية، في الجزائر معظم النقاشات الدائرة هي إما تصفية حسابات أو تقرب للحصول على مزايا سلطوية وتدريجيا تلغى عقلية الكاتب، في رأيي على المثقف أن يبقى خارج الصراع المبني على حقائق غير موضوعية.