يقول الأستاذ راتب النابلسي: التقوّل على اللّه تعالى من أعظم الكبائر. وإنّ للإمام الغزالي كلمةً رائعة يقول فيها: “لئِن يرتكب العوام الكبائر فذلك أهون من أن يقولوا على اللّه ما لا يعلمون”. وحينما تحدّث اللّه سبحانه وتعالى عن المعاصي والآثام ورتّبها ترتيباً تصاعدياً، بدأ بالإثم والفحشاء، وانتهى بالشّرك والكفر، لكنّه جعل التقوّل على اللّه من أكبر المعاصي، فقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الأعراف. فكم من إنسانٍ ضَلّ الطّريق لفكرةٍ سمعها فلم ترق له، وكم من إنسانٍ ظنّ باللّه ظنّ السّوء وظنّ الجاهلية فأعرض عنه بسبب كلام تحدث به إنسانٍ جاهل، وكم من إنسانٍ أعرض عن الدّين لأنّه ما استقاه من مصادره الصّحيحة، وكم من إنسانٍ كفر بسبب ما يرى ويسمع من تجاوزات يفعلها المسلمون، فلذلك قال تعالى: {وَأَنّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللّه شَطَطاً وَأَنَّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللّه كَذِباً} الجنّ:4-5. وإنّ من أغرب ما قاله الإمام الشّافعي قوله: “لأن أرتزق بالرّقص أهون عليّ من أن أرتزق بالدّين”، لأنّك إذا ألقيتَ على النّاس أفكاراً غير صحيحة فأضللتهم وأفسدتهم وحملت بعضهم على أن يكفروا بهذا الدّين، فأنتَ أكبر آثمٍ لأنّ كلّ انحرافٍ يجري عن طريقك. أيُّها الإخوة الكرام.. استمعوا إلى هذه الحقيقة: إنّه هناك مَن يدعو إلى اللّه بمضمونٍ هزيل سطحي غير متماسك، وبأسلوبٍ غير تربويٍ وغير علمي، وهناك مَن يدعو إلى اللّه بمضمونٍ عميق، لكنّه لا يلتزم بأوامر هذا الدّين، فعندئذ لا يرى المدعو في هذا الدّاعية التزاماً بل ازدواجاً، وإنّ المدعو بهذا المضمون الهزيل، وهذه الازدواجية والتّناقض الشّنيعين، وبتلك الطّريقة غير التّربوية وغير العملية، لا يُعَدّ عند اللّه مُبَلِّغاً، فقد رُكِّب في أعماق الإنسان أنّ دين اللّه عظيم، وأنّ هذا الدّين من عند اللّه العليم الحكيم الرّؤوف الرّحيم علاّم الغيوب أكرم الأكرمين ربّ العالمين، فهذا الدّين لا يحتمل أن يوجد فيه تناقض، ولا ضحالة، ولا خرافة، ولا تجاوز، لأنّه الدّين يمثّل عظمة هذا الإله العظيم.