ما يجري في شبه جزيرة القرم، الشجرة التي تغطي الغابة، وما ترتب عنها من عرض العضلات وتصعيد، يستدعي التوقف عند مستقبل روسيا بعد الواقعة. لنعد إلى بداية النزاع. هناك بلد كان يشكل رأس الاتحاد السوفياتي، كما وصفه فلاديمير غليتش لنين، زعيم الثورة البولشيفية في 1917. كان يقدم للمعسكر الشرقي إطارات سامية في جميع القطاعات وصناعة حربية وأدوات الهيمنة وأسطولا بحريا يحسب له ألف حساب ومنشآت نووية... وفجأة شرع الغرب في مغازلة رأس روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي سابقا، ليضعه في أحضانه. وقد وقع ذلك حين قامت مجموعة ”الفاشية”، كما يصفها الكرملين، بعملية انقلاب على الشرعية، بتوقيع اتفاق مع الرئيس يانكوفيتش يقضي بالعودة إلى العمل بدستور 2004 الذي يحد من صلاحياته. وبتزكية غربية، بل أوروبية، تمت الإطاحة بالرئيس الذي غاب عن المشهد في وقت الشدة. أحست روسيا بالخطر. فهمت أن سقوط أوكرانيا يعني تقليص نفوذها. فكيف تسمح لنفسها بالسير نحو المستقبل بلا رأس، لأن عصابة ”سكين هادز” قامت بانقلاب على الشرعية. فشرع القيصر بوتين في إعداد العدة. وانتزع من البرلمان، بسرعة فائقة، حق إقرار الحرب على أوكرانيا، بحجة حماية مواطنيه من الروس والعجم. وقامت القيامة في العواصم الغربية. واستدعت أوكرانيا جنود الاحتياط لمواجهة الخطر الروسي. القيام بحرب على أوكرانيا ليس بالأمر السهل، نظرا للوضع، والسكوت عما وقع في كييف يعني التخلي عن الشيء الحيوي الذي يجعل من روسيا البلد النافذ عالميا. هنا تكمن المعادلة ويبدأ كابوس القيصر بوتين. لا أحد يستطيع التكهن بما سوف يحدث في الأيام القليلة المقبلة. هل يقبل بوتين على ضرب أوكرانيا؟ من يمنعه وقد وقع نفس الشيء مع جيورجيا في 2008؟ ستعمل روسيا على الحفاظ على مواقعها الاستراتيجية على الأقل. المواقع تكمن في الأسطول الرابع في سباستوبول والمنشآت النووية، والابتعاد، كل البعد، عن حلف الناتو الذي لم تغير موسكو رأيها منه منذ عصور خلت. فإذا أخذنا هذا المعطى في الحسبان، إضافة إلى نفسية بوتين، فالحرب قادمة، لا محالة.