حذر رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بويتن الدول الغربية الخميس الماضي من بدء سباق تسلح في أوروبا وذلك بإنشاء الدرع الصاروخية الأمريكية بالقرب من الحدود الروسية.، وحمل بوتين، الذي اتخذ موقفا متشددا من النزاع مع جورجيا بشأن إقليم اوسيتيا الجنوبية، واشنطن مسؤولية إعادة إحياء خطاب المرحلة السوفيتية،..، النزاع وان كانت حدوده في الأسابيع الماضية إقليمية ، إلا انه تحول اليوم إلى مصدر للأرق العالمي. فأغلب المحللين السياسيين يرون ان المواجهة الروسية الأمريكية تنذر بحرب كارثية وشيكة، فتحت فيها جورجيا أبواب جهنم على نفسها والعالم أجمع، خاصة في ظل استمرار الخلاف بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية بشأن الدرع الصاروخي والملف النووي الإيراني، مما يغذي المخاوف بقوة لعودة شبح الحرب الباردة وانجراف القوى العظمى إلى سباق تسلح جديد يهدد السلم العالمي، وعليه فقضية الحرب على اوسيتيا وقضية الدرع الصاروخي ، عبرت دون أدنى شك على استيقاظ الدب الروسي ، الذي دخل في مواجهة مع الغول الأمريكي........ جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا بأن بلاده بصدد تطوير أسلحة نووية جديدة في إطار خطة تهدف إلى تعزيز دفاعاتها كبادرة تشير إلى أن العالم ربما يكون مقدما على مرحلة جديدة من التوترات، وزاد من تعزيز المخاوف الانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، وهي المعاهدة التي أبرمت في فترة نهاية الحرب الباردة بهدف تفكيك الصواريخ النووية الأمريكية والروسية التي كان بالإمكان استخدامها لشن ضربات داخل أوروبا، وتنطوي دلالات الخطاب الروسي في الآونة الأخيرة على رغبة روسيا الأكيدة في لعب دور أكبر على الساحة الدولية، فضلا عن رغبتها في استعادة ثقلها السياسي الدولي وإثبات وجودها كقوة عسكرية عظمى. ------------------------------------------------------------------------ الحرب على اوسيتيا تكشف العودة القوية لروسيا على الصعيد الدولي ------------------------------------------------------------------------ تناقلت وكالات الأنباء خبر قيام جورجيا في السابع من جويلية 2008 بالاجتياح السريع لأوسيتيا الجنوبية وفرض سيطرتها على العاصمة ''تسخينفالي'' ، وجاء حدث محاولة رئيس جورجيا ''شاكسفيلي'' للسيطرة على الإقليم متزامنا ا مع انشغال العالم بافتتاح دورة الألعاب الأولمبية في الصين، وصدور إشارات عن الإدارة الأمريكية وإسرائيل بتوجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني، وغياب بوتين عن موسكو الذي كان يحضر افتتاح الدورة الأولمبية في الصين، إضافة للارتفاع المتصاعد في أسعار النفط والمواد الغذائية غير المسبوق في العالم .. وفي هذا السياق يقول الخبراء حاول ''شاكسفيلي'' أن يستغل تلك الأحداث في شن هجوم خاطف على عاصمة أوسيتيا الجنوبية ''تسخافنلي'' والاستيلاء عليها، ظناً منه أن هذا الهجوم سيمر مر الكرام بسبب انشغال روسيا والعالم بتلك الأحداث، واعتقاداً منه بأن الغرب سيهب لنجدته من الدب الروسي في الوقت المناسب، إذا ما حاول صد الهجوم الجورجي، وإعادة الأوضاع في أوسيتيا الجنوبية لما ما كانت عليه. غير أن ثمة وجهة نظر أخرى مناقضة، وهي أن روسيا الاتحادية يبدو أنها كانت تتحسَّب لهذا الهجوم، الأمر الذي يؤكده تلك السرعة الخاطفة التي جاء بها الرد العسكري الروسي على الاجتياح الجورجي ورده على أعقابه، ما دعا بعض المحللين السياسيين إلى القول بأن روسيا هي التي استدرجت الرئيس الجورجي للإقدام على مغامرته الفاشلة. هنا نتساءل: هل رد روسيا على هذا الاجتياح الجورجي، واستخدامها لما وصفه الغرب بالقوة المفرطة في صده، ودخولها للأراضي الجورجية ذاتها، واستيلائها على بعض المدن، كان رداً تلقائيا فرضته متطلبات المواجهة العسكرية؟ أم كان بهدف إرسال تحذير لأمريكا والأوروبيين، بأن انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي، لا ينبغي أن يفهم منه أن تراجع دور روسيا كقوة عظمى (باعتبارها وريثة الإمبراطورية السوفييتية) خلال السنوات التي أعقبت ذلك الانهيار، سوف يستمر حتى يصل إلى الحد الذي تُصنف فيه روسيا بأنها دولة هامشية لا يحسب حسابها على الساحة الدولية أو في محيطها الجيوسياسي؟ ويستند القائلون بهذا الرأي على أن ما عانت منه روسيا الاتحادية من مشكلات اقتصادية وسياسية نتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي، كان أمراً طبيعياً ومتوقعاً. لكن ليس هناك من الأسباب ما يبرر القول بأن تلك المعاناة، يمكن أن تصل إلى حد وصف روسيا (الوريث الشرعي للدولة السوفييتية)، بالقوة الهامشية، ولو من الناحية العسكرية على الأقل. فهي ما زالت تمتلك أسلحة نووية تكفي لتدمير العالم كله عدة مرات، زد على ذلك أن روسيا تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي التي تتنوع في تضاريسها وطبوغرافيتها، ما ينعكس بالتالي على تنوع مواردها الطبيعية وضخامة تلك الموارد كالنفط والغاز الطبيعي والمحاصيل الزراعية الإستراتيجية، واستغلالها في الصناعات التحويلية. أضف إلى ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي الذي ورثته عن الاتحاد السوفييتي، والذي يوفر لروسيا قاعدة صلبة للصناعات الثقيلة والتكنولوجيا المتقدمة، سواء في مجال الصناعات الحربية أو المدنية. ------------------------------------------------------------------------ التحضير للحرب جرت منذ عامين .. وإسرائيل تدخل على خط المواجهة ------------------------------------------------------------------------ مصادر روسية وأخرى غربية للاعتقاد بأن جورجيا كانت تحضر لهذا الهجوم منذ سنتين بالتنسيق مع إسرائيل على الأقل، حيث زودتها بمعدات عسكرية ذات تقنية عالية ضد الصواريخ والطائرات، كما زودتها بطائرات بدون طيار، وبخبراء عسكريين لتدريب الجيش الجورجي وزيادة قدراته القتالية. وقد ذهب الرئيس الجورجي في وصفه للتعاون القائم بين جورجيا وإسرائيل إلى حد القول، بأن الوجود الإسرائيلي في جورجيا كان دوما حاضراً سواء في وقت السلم أو الحرب. وأغلب الظن أن مساعدات إسرائيل العسكرية لجورجيا تمت بالتنسيق مع واشنطن إن لم يكن بتوجيه منها، وبمباركة من حلف الناتو أيضاً. فمن غير المتوقع ? في نظر المراقبين - أن يتخذ الرئيس الجورجي قرار الحرب على أوسيتيا الجنوبية، دون الرجوع لأمريكا وحلف الناتو الذي يحاول الانضمام إليه. ويفسر البعض العلاقة بين جورجيا وإسرائيل، بأنها تقوم على أساس تجاري بحت، حيث يرون إن إسرائيل تمثل مصدراً من المصادر التي تعتمد عليها جورجيا في شراء السلاح المتطور الذي يحتاجه جيشها. غير أن فريقاً من المحللين السياسيين يرون أن العلاقة بين البلدين هي أبعد من ذلك بكثير. فمن المعروف أن هناك جالية كبيرة من الجورجيين اليهود يعيشون في إسرائيل .. وقد أقاموا علاقات مع الشركات المنتجة للسلاح فيها، وأصبحوا بمثابة مصدر موثوق به لتزويد جورجيا بالسلاح المتطور، وعاملا فاعلا في توطيد العلاقة بين البلدين. ويبدو أن إسرائيل كانت تخطط من وراء ذلك، لاستخدام أراضي جورجيا كنقطة انطلاق للطيران الحربي الإسرائيلي لضرب المنشات النووية الإيرانية، بدلاً من مرور الطائرات في أجواء العراق الذي تسيطر عليه إيران، بحسب المصادر الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى خططها التي تستهدف ممارسة الضغط على روسيا للحد من تطوير علاقاتها العسكرية مع إيران وسوريا وبخاصة في المجالين الصاروخي والنووي. ------------------------------------------------------------------------ تطويق روسيا وحصارها، يقلب الطاولة في وجه أمريكا والدول الغربية ------------------------------------------------------------------------ بدأت روسيا التي كانت تمثل قطب الروحى بالنسبة للاتحاد السوفييتي والوريث الشرعي له، تشعر بأن أمريكا لم تكتف بمحاولة إقامة نظام عالمي جديد أحادي القطب تتزعمه وتنفرد في اتخاذ القرارات الهامة بالشأن العالمي .. ولم تكتف بتحييد روسيا وإبعادها كقوة مؤثرة عن الساحة الدولية .. ولم تكتف بضم دول أوروبا الشرقية التي كانت يوما تدور في فلك الاتحاد السوفييتي لحلف الناتو .. وإنما حاولت السيطرة على الجمهوريات الآسيوية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي ذاته، مثل أوكرانيا وأوزباكستان وطاجكستان وقرقيزيا إلى جانب جورجيا وأوكرانيا ومولدافيا وغيرها. ولا يخفى على المراقبين أن هدف أمريكا ودول أوروبا من ذلك كله، إقامة حزام غربي حول تخوم روسيا بهدف إحكام الطوق عليها، ومنعها من استعادة دورها كقوة عالمية تتمتع بالندية في التعامل مع الولاياتالمتحدة، التي تحاول - منذ انهيار الاتحاد السوفييتي - فرض نفسها كزعيمة لنظام عالمي أحادي القطب، ويبدو أن قادة الكرملين كانوا يتحسَّبون لمثل هذه المخططات جيداً، حيث حذروا جورجيا وأوكرانيا أكثر من مرة من مغبة الانضمام لحلف الناتو، كما يبدو أنها كانت على علم بمحاولات جورجيا بالذات بناء جيشها وتدريب عناصره بحيث يصبح قادراً على بسط سيطرته على مقاطعتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بالقوة، إضافة على مواجهة روسيا عسكريا إذا ما تطلب الأمر ذلك. ------------------------------------------------------------------------ الدرع الصاروخي.. قشة قصمت ظهر البعير ------------------------------------------------------------------------ في علاقة روسيا مع أمريكا وفيما يبدو وكأن العالم يمضي حثيثاً نحو استعادة مشاهد الحرب الباردة وسياسة الاستقطاب وقعت الولاياتالمتحدة وبولندا اتفاقية إقامة ''الدرع الصاروخي'' الشهر المنصرم لإقامة قاعدة للصواريخ الدفاعية على الأراضي البولندية، وذلك كجزء من نظام أمريكي مزمع نشره في شرق أوروبا ، وتقضي الاتفاقية التي وقعها في وارسو وزير الخارجية البولندي رادوسلاف كيكورسكي ونظيرته الأمريكية كوندوليزا رايس، بنشر 10صواريخ اعتراضية أمريكية جنباً إلى جنب مع نظام باتريوت للدفاع الصاروخي في بولندا، ولكن ماذا يعني هذا النظام؟ يقصد ب''نظام الدرع الأميركي المضاد للصواريخ'' بناء شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ أرضية, مستندة إلى نقاط ارتكاز جغرافية عدة, قادرة على إسقاط أي صاروخ بالستي عابر للقارات يستهدف الأراضي الأميركية. وهذا النظام -حال تنفيذه- يطبق للمرة الأولى في العالم من قبل دولة كبرى، وهو ما تحظره معاهدة الحد من الأسلحة البالستية (ABM) التي قصدت بنودها عن عمد إبقاء الأجواء مفتوحة وغير محمية بهدف إيجاد ردع متبادل بين الدول الكبرى. ومصادر التهديد المحتملة التي تقوم عليها إستراتيجية نظام الدرع الأميركي والمتوقع انطلاق صواريخ هجومية منها ضد الولاياتالمتحدة هي بالدرجة الأولى إيران، وكوريا الشمالية، وكوبا وأي دولة تقع تحت تصنيف ''الدول المارقة'' كما تعتمده واشنطن. غير أن روسيا انتقدت بشدة مشروع الدرع الصاروخي حيث اعتبرت أن نشره قرب الحدود الروسية يهدف في الحقيقة إلى إضعاف القدرات الدفاعية الروسية ، ومحاصرتها وليس لمواجهة الصواريخ الإيرانية أو الكورية الشمالية ، وكان الإعلان الأمريكي عن الانسحاب رسميا من معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية -في منتصف شهر ديسمبر 2001- بمثابة التعبير الرسمي عن فشل كافة الجهود الرامية إلى الوصول إلى حلول وسط بشأن تعديل هذه المعاهدة، بما يسمح للولايات المتحدة ببدء عمليات تطوير وإنتاج ونشر منظومات للدفاع المضاد للصواريخ الباليستية، حيث استخدمت إدارة بوش لهذا الغرض العديد من أدوات الإغراء والضغط مع الحكومة الروسية، إلا أن الأخيرة رفضت مرارا إجراء أي تعديل على معاهدة عام 1972؛ لأنها تعتبر حجر الزاوية في التوازن الإستراتيجي العالمي طيلة العقود الثلاثة السابقة. وقد فتح الانسحاب الأمريكي من معاهدة 1972 الباب أمام السير بقوة في طريق تطوير ونشر وإنتاج النظام الدفاعي الصاروخي، حيث تتبنى إدارة بوش خطة تقوم على بناء نظام متعدد للدفاع الصاروخي، يتألف من صواريخ اعتراضية منطلقة من البر ومن سفن بحرية أو قواعد بحرية، بالإضافة إلى أسلحة ليزر منطلقة من طائرات. وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية بإلغاء الشق البحري من البرنامج بعد أن تبين أنه يتطلب تكلفة عالية، وسوف تكون قدرته على إصابة الأهداف المعادية منخفضة، ولكنها واصلت تطوير المنظومات الدفاعية التي تنطلق من البر والجو، ويقول الخبراء ان الموقف الأمريكي من قضية الدفاع الصاروخي يمثل تعبيرا عن مفاهيم جديدة طاغية في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، تقوم على أن الولاياتالمتحدة لم تعد في حاجة إلى استمرار الالتزام بمعاهدات واتفاقيات عفا عليها الزمن، وترتبط بتوازنات الحرب الباردة. ونظرا لأن الولاياتالمتحدة باتت القوة العظمى الوحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، فإن المفكرين الأمريكيين المحافظين خاصة يرون أن للولايات المتحدة الحق في أن تحدد قائمة اهتماماتها الدفاعية والإستراتيجية وفق متطلبات أمنها القومي فقط، ودون التقيد بمواقف القوى الدولية الأخرى، بل إن هذه القوى يجب عليها أن تكون ''تابعة'' للموقف الأمريكي. وبالمقابل قال نيقولاي سولوفتسوف قائد قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية، أن ''الأنظمة الصاروخية الروسية قادرة على تجاوز الدرع الصاروخي الذي ستنشئه الولاياتالمتحدة حتى عام ,''2020 وأعلن سولوفتسوف إن النظام الصاروخي ''توبول م'' الذي دخل الخدمة في القوات المسلحة الروسية مؤخرا، و''الأنظمة الصاروخية التي صنعت في العهد السوفيتي وتتسلح بها مجموعات قوات الصواريخ الإستراتيجية حاليا، تمتلك جميع المواصفات الضرورية لتجاوز الدرع الصاروخي الذي سيتوفر لدى الولاياتالمتحدة في الفترة 2015 2020".