تؤشر نتائج الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها الرئيس بوتفليقة، على خارطة سياسية مستقبلية، لن تشهد تغييرات جوهرية في توجهات الطبقة السياسية ولا في إعادة ترتيب المشهد السياسي، إلا في حالات محددة، وحتى هذه الحالات تظل مرتبطة بالوضع الصحي للرئيس بوتفليقة. أول متغير سيكون له دور في إحداث ”ديكليك” على مستوى التوجهات الكبرى للدولة، يتعلق بتعديل الدستور، وحتى هذا التعديل غير مرشح لأن يكون جوهريا كما وعد به الرئيس بوتفليقة في 2011، بينما ظلال استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية ستخيم على التعديل، في ظل أعين مصوبة تجاه هوية نائب بوتفليقة، في ظل توجهات تشير إلى أن المنصب سيكون من خلال التعيين وليس الانتخاب، وموازاة مع ذلك، تصوب أعين من يرون أنفسهم نوابا للرئيس، باتجاه قصر المرادية، وينتمي جل هؤلاء إلى ”الوكلاء السبعة” الذين نشطوا حملة المترشح بوتفليقة، والخيار سيطرح بين الثنائي الأول من بين الوكلاء وهما أحمد أويحيى وبلخادم، أو هما معا. وحتى وإن استبعد عبد المالك سلال، مدير حملة الرئيس بوتفليقة، توجها نحو استحداث هذا المنصب، إلا أن خارطة الانتخابات الرئاسية التي أفرزت فوز رئيس تشكك المعارضة في قدرته على أداء مهامه الدستورية، يفرض ترسيم هوية من ينوب عنه، عبر التعديل الدستوري، إذ لا يمكن أن يظل الوزير الأول، حيث يفترض عودة سلال إلى منصبه، يؤدي مهام رئيس الجمهورية، طيلة السنوات الخمس المقبلة. وثاني فرضية قد تلجأ إليها السلطة، تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة، وإن كان هذا الطرح تردد قبل أشهر معدودات، بناء على طعون معارضة اتهمت السلطة بتزوير نتائج تشريعيات ماي 2012، فإن نتائج انتخابات الخميس الماضي، قد تكون سببا في اللجوء إلى تشريعيات قبل الأوان، وبالخصوص، من حيث تسجيلها أكبر نسبة مقاطعة منذ الاستقلال (الرئاسيات) يحتمل أن تحاول السلطة استدراكها عبر إرضاء ”نصف الشعب الجزائري الذي لم يصوّت” بملامح تغيير تقوم به السلطة، أو الإيحاء بذلك بتغيير توليفة برلمان، يعترف جزء من السلطة ذاتها، أنه برلمان ميت ومجرد غرفة تسجيل. وتطرح تساؤلات، إن ثبتت هذه الاحتمالات، بشأن ما يقدم عليه بوتفليقة أولا: تعديل الدستور أم تشريعيات مسبقة؟ وفي حالة إقدامها على تعديل الدستور أولا، فهذا يعني أن البرلمان الحالي سيتكفل بتمرير التعديلات، مثلما تكفل برلمان 2007 بالتعديل الذي تم إثره فتح العهدات الرئاسية سنة 2008. وعلى المستوى الحزبي، يحتمل أن تشهد الخارطة السياسية ميلاد قطب جديد، يقوده علي بن فليس، وفي هذه الحالة يتوقع أن يستقطب المترشح الحر الذي حل ثانيا بترتيب الانتخابات (نسبة 12.18 بالمائة) أجزاء من كتل نضالية تتبع أحزابا أخرى، على رأسها الأفالان، حيث يتبعه فصيل معين، وكذلك من الأحزاب الجديدة، وليدة ما سمي ”إصلاحات سياسية 2011”. ويوازي هذا الاحتمال حراك معارضة يتوقع أن يلعب فيها بن فليس دورا هاما، ضمن فضاء تنسيقي يرشح لأن يتحول إلى جبهة ضد النظام، ويظهر على بن فليس قناعة مكتملة بعدم العودة إلى البيت، كما فعل عام 2004، لما خسر الرئاسيات، واستيقظ هذه المرة على حقيقة أن غيابه عن المشهد طيلة 10 سنوات كاملة، كان له الأثر البالغ في ما تحصل عليه من أصوات الناخبين. وفي مقابل ذلك، تبقى فرضية ترسيم تحالفات سياسية موالية لبوتفليقة، قائمة، عبر الانصهار في تحالف رئاسي يجمع كل من الأفالان والأرندي والجبهة الشعبية وتاج، زائد بعض الأحزاب المجهرية التي شاركت في تنشيط حملة الرئيس بوتفليقة، ويعتقد الموالون للرئيس بضرورة ذلك، لمواجهة تكتلات معارضة أظهرت نية بعدم السكوت إزاء منطوق وزير الداخلية بشأن نتائج اقتراع الخميس. وغير أنه وخارج كل هذه الفرضيات، تبقى متغيرات المشهد السياسي المرتقب مرتبطة بالوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، وحول ما إذا يسمح له بالاستمرار في منصبه خمس سنوات أخرى، وحده القدر من يتحكم في ذلك.