كيف تقيّم دور المثقف العربي اليوم في ظل المتغيرات الحاصلة؟ أتأسف لحال الثقافة العربية والمثقف العربي اليوم، الذي أراه خارج السرب ويرغب في التجرد من ثقافته وهويته العربية، ويلبس ثوب الثقافة الغربية. إن التحضر والتمدن رؤية يتطلع من خلالها الإنسان العصري، فتتولد عنده رغبات مشروعة في الممارسة والفعل. ولغرض المقارنة هنا، تتفشى ظاهرة الأمية الذهنية واللامبالاة أو عدم الشعور بمتعة التكامل الكوني في البناء والانتماء والإيمان. قد نفتقر للكثير من مقومات المنافسة مع الآخر، إلا أنها لا تمنع أن تنمو على أرض تفردنا لها، وهنا كلما ولدت المواطنة والنمو الثقافي لدى العربي، حقنت بمضاد شلّها وأقعدها، أو تعكزت على تاريخ الأجداد وأمجاد العظام الذي نتصفحه في كتب التاريخ أو ندرسه مادة امتحانية، لغرض النجاح والحصول على شهادة تخرج، أما أن نفعّل هذا التاريخ والقيم على بناء الإنسان، والاشتراط على إيجاد علاقة حميمة مع الأرض والوطن، كي نحرص على المحافظة والإدامة والذود عنه، والجهد في جمالية تصميمه، وحضوره على خارطة العالم، لا بل السلوك بالعوز، والذنب والتقصير، شعور انتقاص وهدر كرامة. كيف أثّرت وضعية المثقف العربي على واقع ومستقبل الدول العربية؟ غياب المثقف العربي فعّل الإهمال عن مواكبة العالم للتطور، وهذا ما جعل ساستنا لا يفهمون سوى لغة المحاصصة والاستثمار المفسد، بفساد نظم الإدارة والقيادة والتزعم، بفعل السلاح والتهديد، وخوض ممثلي الشعب في سجالات عقيمة وحوارات مشحونة بالضغائن والتهميش. وأؤكد لك بأن المتنفذين من القادة، هم من يعتقلون الإشراقات ويوقفون الضوء بالخوف والعزلة، فينشغل المثقفون في النزاع وإطلاق التهم جزافاً على مبدع أو صاحب منجز، ونمزق صورة المواطنة لننهج سياسة “أنا لا يعنيني هذا”. فكيف لنا أن نلحق الآخر ونزين المدن ونربط حزاما أخضر حول شوارعنا ونمنع من يعبث بممتلكات بلدنا ونرمم الجرح ونربي أطفالنا على مبدأ الحرص ونصحح لشيوخنا الموروث معافى بلا شعوذة وقراءة الفال، كي نلحق ببلدان العالم، ونهتم بحضارتنا، ونوفر أكبر قدر ممكن من الإنجاز في بناء الثقة والإنسان، لنعيد رسم معالم مدننا، كما هي الجنائن المعلقة في عصر الإمبراطور نبوخذ نصر في العراق. فلابد أن تنفرج الأزمة بإرادة شبابية مؤمنة مثقفة عالية التصميم، لترسم خطاباً ميدانياً متحضراً فصاحته في التغيير والرفض العلني للاستبداد والهيمنة. هل ترى أن المثقف العربي قادر على إحداث التغيير؟ المثقف العربي أمام تحديات عدة، وعلى مختلف الأصعدة، كي يحافظ على رصاصة الرحمة قبل مرحلة التحدي هذه، ليأتي متأصلاً بعروبة أمة لها تاريخها المجيد وحضارتها العريقة، فيحصل التغيير تدريجياً، فينهض بجسد الأمة معافى، كما هي مرحلة التحول لنرسم نحن ملحمة التألق بفن الكلمة وبلاغتها، وبناء الإنسان بناءا متحضراً متمدناً. وأبرهن لك بأن المثقف العربي أكثر جرأة في اتخاذ القرار وصنع الصورة الأنصع والأنقى، ليحافظ على هيبة العربي، بعيداً عن التشوه والمسخ والنسخ واجتثاث أصالته، وهذه لم تأت وليدة الصدفة، بل عبر مراحل تكوين ذاتي وقناعات أدت به إلى صراع مرير أمام تيارات تعاشقت مصالحها كي يبقى العربي في خانة التخلف والصراع القبلي والنزاع العشائري والطائفي. ما الذي يمكن أن تنتظره الأمة من المثقف العربي مستقبلا في ظل المتغيرات الجديدة؟ المنتظر اليوم من المثقف العربي توحيد صفه أولا وإعادة تكوينه التنظيمي وقراءته الدقيقة للتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي من الممكن أن تثخن جسده بجراح أعمق، لأنها مرحلة انقلاب لابد منها ليملك بجدارة مفاتيح الصورة ورموزها، فمدّ جسور الود والتبادل الثقافي والشراكة الفعلية والفاعلة في برنامج التنمية البشرية والمنظمات الإبداعية، لعلها تحقق نسب النجاح في قراءة دقيقة لخارطة الوطن العربي في ظل المتغيرات الحاصلة، وتفويت الفرصة على أخطبوط التسلح الأمريكي الإسرائيلي على مساحة الذهن المشبع بالخوف والعزلة، بسبب السياسات والإجراءات ووسائل الإعلام المعادية التي استوطنت عقلية شريحة من المجتمع، بفعل الدراما الذكية والمؤثرات النفسية والانفعالات الخاطئة. لابد أن نوجه دعوة لأنفسنا، وننطلق بها للتسلح، بمبدأ التغيير والرفض وتفعيل الوعي المتمدن في الاختيار الأمثل، وعلى هذا الأساس أقول لك يقيناً إننا في الاتجاه الصحيح.