إصرار رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، على توسيع قاعدة الحكم بالتوجه بعرض الاستوزار على أحزاب في أقصى المعارضة ومن تيار اليسار، يعني إقرارا من الرئيس بأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى أكبر قدر من التوافق في ممارسة الحكم، لكن الردود الرافضة لدخول الجهاز التنفيذي تعني أن الحكومة المقبلة ستحافظ على نفس التوازنات ضمن التحالف الرئاسي التقليدي. أمام الرد الرافض من جبهة القوى الاشتراكية ثم من حزب العمال وحمس، لعروض الوزير الأول عبد المالك سلال، بتكليف واضح من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بدخول الحكومة الجديدة، يكون الرئيس المنتخب لولاية رابعة على موعد لضبط الجهاز التنفيذي الجديد على قاعدة معروفة ليس فيها جديد يذكر حتى ولو تم اللجوء إلى خدمات شخصيات من خارج التحالف التقليدي الذي سانده في العشرية الماضية، ويبدو رفض بعض الأحزاب متوافقا مع مواقفها السياسية، لكن أخرى يفسر رفضها بدخولها مرحلة الحسابات التي يفسرها عدم ائتمان أحزاب لأجندة الرئيس للمرحلة المقبلة، وهل سيستمر الرئيس في حد ذاته في ممارسة الحكم طيلة السنوات الخمس المقبلة؟ وتكشف خطوة بوتفليقة الانفتاح على أشد الأحزاب السياسية المعتمدة معارضة، رغبة في توسيع قاعدة الحكم، فالقوى الاشتراكية صاحبة موقف تصادمي من النظام منذ نشأته في السرية عام 1963، ويمكن من خلال هذا التوجه، أخذ صورة أن رغبة الرئيس واضحة في أن تخرج الحكومة المقبلة عن المألوف، كما أن التوجه بالدعوة لحزب العمال برغم شروط هذا الحزب اليساري للمرحلة المقبلة (بما فيها حل البرلمان) يفترض قراءة توحي بأن بوتفليقة أراد توسيع دائرة الحكم على الأقل لتقليص حجم الانتقادات الموجهة لفترة حكمه في السنوات السابقة بانحصار القرار الحكومي في ثلاثة أحزاب أو أربعة على أقصى تقدير، حيث جرت العادة أن تستأثر جبهة التحرير الوطني بأغلب الحقائب رفقة التجمع الوطني الديمقراطي على أن تؤول الحقائب السيادية لشخصيات من محيط الرئيس الذين يثق فيهم لاسيما الخارجية والعدل والداخلية والمالية. ويمكن التدقيق في تصريحات مقربين من الدائرة الرئاسية الضيقة، وجميعها تتحدث عن حكومة سياسية وليست حكومة كفاءات (تكنوقراطية)، وبإضافة توجيه الدعوة للأفافاس والعمال في انتظار أن تكشف تشكيلات أخرى ربما عن عرض مناصب وزارية عليها، يمكن الاعتقاد أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عاد إلى أول تقليد في أول حكومة أسسها والتي توسعت يومها إلى التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ودخول الإسلاميين إلى الجهاز التنفيذي من الباب الواسع حينها، رغم مشاركتهم سابقا في حكومات تحت إشراف الرئيس الأسبق اليمين زروال. وكان متوقع، إلى حد ما، أن يلجأ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى دعوة حزب العمال للمشاركة في الحكومة الجديدة، قياسا لشكل الخطاب المسوق من قبل لويزة حنون، رغم علمه بشروط المرشحة السابقة للرئاسيات والتي تعتبر أن دخولها أي حكومة لن يتم إلا بالتوازي مع حصولها على الغالبية البرلمانية، لكن غير المتوقع هو الدعوة التي وجهت لجبهة القوى الاشتراكية، المصنفة كحزب معارض تقليدي له موقف حاد من حكم بوتفليقة نفسه. ورفض الأفافاس والعمال دخول الحكومة كموقف سياسي يضاف إلى مقاطعة أبرز الأحزاب الإسلامية للجهاز التنفيذي، يعني أن الرئيس المنتخب لولاية رابعة قد خسر خدمات ثلاثة تيارات محسوبة على المعارضة، ما يحيل النظر، وهو المتوقع، إلى شخصيات محسوبة على المعارضة قد تكون الحل على الأقل لتسهيل المهمة أن تصدر الحكومة المقبلة في صورة التوافق ولو بشكل صوري، وعدا ذلك فإن الحكومة المقبلة ستكون بين أيدي التحالف المعروف بين الأفالان والأرندي مع توسيع محتمل لدائرة المشاركة لحزبي تاج والحركة الشعبية الجزائرية.