أجمع عدد من المهتمين والمهنيين في الفن السابع، على أن القطاع يتطلب وقفة حقيقية على مستوى كل الأصعدة وضرورة مراجعة كل حلقاته من السيناريو إلى الإخراج إلى النص والإنتاج والتوزيع والتكوين، وكان ل”الخبر” لقاء بهم على هامش انعقاد مهرجان كان السينمائي.. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، على ضفاف شاطئ الرفييرا الشهير، بمدينة كان الفرنسية، حيث تنتظم الدورة السابعة والستين من مهرجانها السينمائي العالمي. دخلنا الجناح الجزائري في قرية المهرجان..الحرارة كانت عالية، وأعلى منها كانت حرارة النقاش بين عدد من الشباب المنشطين لحركة الفن السابع في الجزائر. اقتربت “الخبر” منهم واستأذنتهم في نقل فعاليات “المائدة المستديرة” المرتجلة على صفحاتها، فأذنوا لها.. إذ ما الفائدة من نقل أجواء كان “الأسطورية” بعيدا عن آلام وآمال سينما جزائرية تئن تحت وطأة الإهمال والتهميش والفوضى. السينما الجزائرية تنتظر التفاتة الوزيرة الجديدة دعا المخرج العربي لكحل وزيرة الثقافة الجديدة إلى العمل أولا على تغيير العقليات في القطاع، وبعد أن رد عليه المخرج الشاب عمار سي فضيل بشيء من اليأس قائلا: “لا أعتقد بأنها تستطيع”، أردف العربي: “أعرف بأن المهمة ليست بالسهلة لكن السينما الجزائرية تحتاج إلى نفس جديد، والبداية يفترض أن تكون بضرورة التواصل مع أهل القطاع، بالاستماع إليهم.. إلى مشاكلهم وانشغالاتهم وأحلامهم”. وذكر من جهته المخرج شكيب طالب بمعرفته الجيدة بالمركز الوطني للسينما في فرنسا الذي “لم يسلم من مرض المحسوبية، وعلى الرغم من هذا، فإن الكثير من المسؤولين الجزائريين يعتبرونه نموذجا في التعاطي مع القطاع”، قبل أن يضيف: “الفرق بيننا وبينهم يكمن في كون المركز هنا ينشطه، على الأقل، مختصون، أما عندنا فتجد الفيلسوف والمختص في الأنثروبولوجيا وعالم النفس”. عاد العربي لكحل ليحمل أهل القطاع جزءا ليس قليلا من المسؤولية، ف”كتّاب السيناريو عندنا يحسبون نصوصهم كتبا مقدسة، إلى جانب أن السينما الجزائرية تفتقد إلى منتجين حقيقيين، فكل ما عندنا مجرد وسطاء”. نفس المسؤولية حملها المنتج ياسين بوعزيز عن شركة “تالة فيلم” لأهل القطاع، وتحديدا لشبابه عندما قال ممتعضا: “أنا أفضل التعامل مع القدماء، فأغلب تجاربي مع الشباب كانت مريرة.. ساعدت الكثير منهم حتى صارت مداخيلهم أضعاف مداخيلي، وعندما وصلوا أداروا لي ظهورهم”. أما شكيب طالب فرد على الاثنين بقوله: “ربما أن الآباء الذين صنعوا فخر السينما الجزائرية في السبعينات قدموا شيئا للقطاع، لكنني أرى بأن مشكلتنا نحن الشباب هي مع الجيل الذي فشل في فعل شيء خلال الثمانينات والتسعينات.. هذا الجيل لا يريد أن يترك لنا فرصة، لاعتقاده بأن دورنا لم يأت بعد، وبأنه راح ضحية جمود فرضته التحولات السياسية والأمنية”. لجنة القراءة في قفص الاتهام ويرى عمار سي فضيل أن مسؤولية تردي القطاع تعود في جزء منها للجنة القراءة التي تضم رجالا ونساء لا يفقهون شيئا في السينما، وقال مازحا: “لن أتعجب لو أنني سمعت بأن المخرج الأمريكي الكبير تارنتينو تقدم إلى هذه اللجنة بسيناريو ورفض”، كما انتقد سي فضيل احتكار الدولة للإنتاج مضيفا: “أنا أعارض كل من يقول بأن السينما الجزائرية تعاني من مشكل نصوص، بل الإمكانيات هي المرض الأكبر، إمكانيات لا تسمح لك بأن تصور لأكثر من خمسة أو ستة أسابيع، ما يضطرك إلى التخلي عن الكثير من المشاهد، كما أن غياب الاستوديوهات يفرض عليك أن تضيع جل وقتك في مصارعة زحمة المرور”. وفي نفس الاتجاه، تعجب ياسين بوعزيز: “في الجزائر يعوض البيروقراطيون الجمهور في الحكم على النصوص والأفلام؟”، وهو ما شدد عليه شكيب طالب مردفا: “في السينما هناك شرعية واحدة هي شرعية الجمهور”، قبل أن يطرح الاثنان إشكالية القاعات التي ما زالت مغلقة، ما يجعل من العبث الحديث عن شيء اسمه الإنتاج السينمائي. أين الممثل وسط حلقة الإنتاج في غمرة هذا النقاش، بقيت الممثلة ريم تاكوشت صامتة، قبل أن تنهي “الخبر” سكوتها بسؤال بسيط يقول: “ريم، والممثل وسط كل هذا؟”، قبل أن تنطلق بطلة رائعة لياس سالم “مسخرة” في رسم صورة غير مريحة للمشهد: “من خلال تجربتي وصلت إلى معاينة أن في الجزائر ليس هناك مخرجون حقيقيون ولا كتّاب سيناريو متمرسون، فأنا شخصيا وبعد كل النجاحات التي عرفتها في بدايات مسيرتي، يفترض أنني لا أتوقف عن العمل، لكن الحاصل هو العكس، فأنا لم أشترك في عمل سينمائي منذ سنتين”. وتنتقد ريم تاكوشت بشدة منظومة التكوين في الجزائر، عندما تتذكر بأنها ولما كانت طالبة في المدرسة الوطنية للفنون الدرامية كان ممنوعا على المنتسبين الاشتراك في أي عمل خارج المعهد إلى غاية السنة الرابعة “بينما اليوم فإن الطلبة يوزعون في أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية حتى قبل أن يكملوا سنتهم الأولى”. بعد هذا اللقاء انتشر محدثونا داخل أرجاء المكان الذي تشرف عليه الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، علهم يجددون أنفاسهم عبر اللقاء مع زملاء لهم من جنسيات أخرى حضروا إلى الجناح ليتعرفوا على جديد السينما الجزائرية.