نشرت تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي الأرضية السياسية التي ستجتمع حولها في العاشر من الشهر الجاري، وأغرب ما جاء في الوثيقة هو اعتمادها على وثيقة أول نوفمبر 1954 كأساس مرجعي للدولة الجزائرية، لهذا وجب علينا أن نوجه إلى المعنيين الأسئلة التالية: أولا: إذا كان بيان أول نوفمبر 1954 مازال صالحا لقيادة مسعاكم السياسي، فما الفرق بينكم وبين السلطة التي تعتمد بيان أول نوفمبر كأساس للسلطة التي تسيّرنا في الأفكار والرجال؟ǃ ولماذا تتحدثون عن حكاية الانتقال الديمقراطي على الجمهورية الثانية، وأنتم تعتمدون على أرضية الجمهورية الأولى كأساس للبناء المؤسساتي. ثانيا: بيان أول نوفمبر 1954 أصدره رجال أول نوفمبر من الشباب وكان موجها أساسا إلى إقناع الشعب بالالتفاف حول مسعى هذا الشباب لتحرير البلاد من الاحتلال بالكفاح المسلح، أي طرح بديل للنضال السياسي الذي انتهى إلى طريق مسدود مع أحداث ماي 1945. و99% مما جاء في البيان يتحدث عن الترتيبات التي وضعت لخوض الكفاح المسلح بالشعب الجزائري لتحرير البلاد.. وقد تم ذلك وتحررت البلاد.. فكيف نجعل اليوم هذا البيان أساسا لبناء الجمهورية الحديثة؟ǃ هل هذا يعني أننا نحرر البلاد من الحكام بالقوة؟ǃ وهل هؤلاء الحكام هم امتداد للكولون.ǃ وهل مهمة التحرير مازالت قائمة؟ فإذا كان هذا هو القصد، فالمطلوب من الشباب السياسي الذي سيجتمع في الهلتون أن لا يطلب من الشباب رمي نفسه في البحر، بل يطلب منه أن يرمي هؤلاء (الكولون) الجدد في البحر كما رموهم الكولون في البحر سنة 1962.ǃ ثالثا: بيان أول نوفمبر لم يعد صالحا كأساس يحكم الجزائر بشرعية، لأنه وضع شرعية الثورة ونحن الآن نريد شرعية للدولة.. البيان وضع بهدف تحرير البلاد وفقط ولم يهتم بموضوع بنائها فيما بعد.. واليوم المطروح علينا هو بناء البلد كمهمة وليس تحريرها.. لهذا من الواجب أن تتجاوز تحنيط البلد في مرجعية بيان لم يعد صالحا كأساس لما يطمح إليه شباب اليوم من بناء بلده. رابعا: حتى الجملة الوحيدة التي وردت في البيان والتي قد تكون ما تزال صالحة وهي: “بناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية”، هذه الجملة أصبحت محل نقاش الآن، أي ديمقراطية كانت مقصودة في بيان أول نوفمبر: هل ديمقراطية المعسكر الاشتراكي التي تكرست في دستور 1962، أم ديمقراطية الناتو التي تخرب البلاد العربية الآن؟ وأي إسلام كان مقصودا آنذاك؟ إسلام الجهاد الذي طبقته الثورة سنة 1954 وسمت الجندي مجاهدا والجريدة المجاهد.. والعملية الحربية بالجهاد.. أم إسلام الناتو اليوم الذي يعتبر الجهاد إرهابا وخروجا عن الدين؟ǃ خامسا: إذا كانت المعارضة تريد هي الأخرى أن تحكمنا بنص تجاوزه الزمن، لأنه نص مقدس كعجل اليهود، أي تحكمنا بالماضي وتقتل فينا الحاضر والمستقبل، فلماذا لا نقبل بأن يحكمنا رجل من الماضي وبشرعية الماضي هذه حتى ولو كان على كرسي متحرك؟ǃ نحن في حاجة إلى صياغة بيان جديد يحمل قوة بيان أول نوفمبر.. ولكنه يخص الانطلاق من الحاضر لبناء المستقبل وليس الانطلاق من الراهن لاعتماد الماضي؟ǃ البيان الصحيح الذي ينبغي أن يصدر هو البيان الذي يعتمد القطيعة مع الذين يحكموننا ببيان أول نوفمبر ورجاله منذ 60 سنة. شباب اليوم يريد بناء دولته الحديثة.. وبرنوس بيان أول نوفمبر لم يعد رداء صالحا لهذا الشباب. فكفوا يرحمكم الله عن حكاية تحنيط البلد في نص وضع لإنجاز مهمة محددة وأنجزت وانتهى الأمر ولم يعد هذا البيان كأساس لبناء الدولة الحديثة.