اعتبر إفريقيا أحد مسارحها باستان: الصراعات الدولية وراء حروب الانفصال عاد جان فرانسوا باستان، أمس، خلال مشاركته في ندوة مركز “الخبر” للدراسات الدولية، المنظمة بالتعاون مع المدرسة العليا للصحافة ببن عكنون، حول موضوع “نشأة وتطور الصراعات المسلحة في إفريقيا”، لتاريخ الحروب في القارة السمراء، التي تخصص فيها على مدى سنوات طويلة كصحفي في الإذاعة والتلفزيون البلجيكي، واعتبر أنه لا يريد تقديم “مفاتيح لفهم شامل لما يجري في إفريقيا، بسبب عدم وجود أسباب معينة”، فركز تدخله على ثلاثة نماذج هي الحرب الأهلية في كل من بورندي ورواندا، وأنغولا، واعتبر أن خبرة التدخل الأجنبي في شؤون القارة السمراء منذ القرن التاسع عشر، تكشف أن المتغير الأجنبي يحتل مكانة جوهرية في تحريك الحروب في العديد من دول القارة. وقال: “من الملاحظ أن الحدود الاستعمارية التي رسمت على خرائط في أوروبا عكست بالأساس مصالح القوى الاستعمارية، ولم تعترف بالمصالح الإفريقية. وعليه فإن الحدود الموروثة عن الاستعمار أدت إلى تقسيم الجماعات العرقية بين دولتين أو أكثر، كما أنها من جهة أخرى أدت إلى وجود جماعات عرقية ذات تاريخ من العداء والصراع داخل حدود إقليمية واحدة، وهو الأمر الذي شجع على تزايد حدة الصراعات العرقية في كثير من المواقف”. وتعتبر القارة الإفريقية، حسب ضيف “فوروم مركز الخبر للدراسات الدولية”، أحد مسارح الصراع الأيديولوجى على المستوى العالمي بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي، خاصة وأن غالبية دول القارة تعتبر من الدول حديثة الاستقلال، التي لم تستقر بعد على منهاج محدد للتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومازالت الغالبية العظمى منها مترددة، منذ بداية مرحلة الاستقلال. ويعتقد باستان في السياق نفسه، أن الظاهرة الاستعمارية هي التي جرّت إفريقيا إلى حروب غير منتهية، بعد أن تدخلت بشكل سافر، وساهمت في تكسير النسيج الاجتماعي التقليدي الذي كان يضمن درجة كبيرة من الاستقرار. واعتبر أن ذلك لا يعني أن الأفارقة لا يتحملون جزءا من المسؤولية في الحروب التي برزت عندهم قبيل انتهاء حروب الاستقلال. وقال: “لقد حملت حركات الاستقلال الإفريقية في داخلها بذور الصراعات القادمة، بسبب صراعات الأشخاص حول السلطة والزعامة، إضافة إلى وجود انقسامات إثنية ودينية غذت حدة الصراعات”. وتوقف باستان عند حرب الاستقلال الأنغولية بين 1961 و1975، التي بدأت كحركة ضد الاستعمار البرتغالي، وتحولت إلى حرب أهلية مباشرة بعد انسحاب الاستعمار البرتغالي من البلاد عام 1975. وقبل انتهاء الاستعمار وإجلائه من أنغولا، كان النزاع بين المستعمر البرتغالي، وحركتي تحرير رئيسيتين في البلاد هما الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، والاتحاد الوطني لاستقلال أنغولا بالكامل. وشكلت أنغولا، من جهة أخرى، ميدان معركة للحرب الباردة، نظراً للتدخل الكبير في شؤونها من قبل القوى العظمى المتناحرة ممثلة في الاتحاد السوفييتي وكوبا، والولايات المتحدةالأمريكية وجنوب إفريقيا أثناء نظام الميز العنصري. وشكلت الحرب الأهلية في زيمبابوي، حسب باستان، نموذجا للصراع القبلي حول السلطة، وكانت زيمبابوي تعرف باسم روديسيا الجنوبية حين كانت مستعمرة بريطانية، وفي سنة 1965 أعلن إيان سميث، زعيم الأقلية البيضاء، انفصالها واستقلالها عن بريطانيا، بيد أن سياسة سميث العنصرية أثارت غضب المجتمع الدولي، فأعلنت دول عديدة مقاطعة روديسيا اقتصادياً، وفرضت الأممالمتحدة مقاطعة اقتصادية، ما أدى إلى بروز جبهة تحرير زيمبابوي، بزعامة روبير موغاني، وجوشوا نكومو، لتبرز بعدها حرب أهلية دامت إلى غاية سنة 1988. واعتبر ضيف فوروم “الخبر” أن الصراعات الدولية عقب انهيار جدار برلين، أدت بدورها إلى تأجيج الحروب في إفريقيا، والتي تسمى حروب الانفصال، مثلما هو الحال في السودان الذي حقق استقلاله موحدا، وانتقل إلى بروز دولة “جنوب السودان”. كما شدد المحاضر على الحركات التي برزت حديثا في إفريقيا، والتي تستعمل الدين من أجل إعلان حروب من نوع جديد مثلما هو الحال في الصومال، ونيجيريا، ومالي. بعد أن عرفتا التعايش والتواصل بينهما الاستعمار البلجيكي أجج الصراع بين قبيلتي “الهوتو” و”التوتسي” شكلت الحرب الأهلية التي وقعت في رواندا بين الجيش الرواندي، والجبهة الوطنية الرواندية، بين عامي 1990 و1993، حسب جان فرانسوا باستان، منعطفا حاسما في تاريخ الحروب في إفريقيا، حيث تميزت بانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، أخطرها الإبادة الجماعية. أوضح باستان أن المجتمع الرواندي عرف تنظيما مستقرا يعود إلى آلاف السنين، وتميز بوجود تعايش كبير في قبيلتين أساسيتين هما “الهوتو” و«التوتسي”. وكان “الهوتو” عبارة عن قبيلة من المزارعين، والتوتسي قبيلة أقل عددا من الرعاة تمكنوا من السيطرة على الأغلبية من الهوتو، بفضل الأموال التي كانت تدرها عليهم تربية قطعان الأبقار. بيد أن الزواج المختلط بين أفراد القبيلتين وتعاقب الزمان شكلا ثقافة ودينا ولغة مشتركة بين القبيلتين، وضعت حدا للانقسامات الإثنية، لكن بدلا من أن تكون القبيلتان متمايزتين، أصبح ينظر إلى قبيلة التوتسي على أنهم الحكام، وقبيلة الهوتو على أنهم المحكومون. ويعتقد المحاضر أن بلجيكا التي استعمرت رواندا، عملت على تأجيج الصراع بين القبيلتين، وكانت تنظر إليهما كقبيلتين متصارعتين، واستحدثت بطاقات هوية أعادت تقسيم الروانديين تبعا لانتمائهم القبلي. ومن هنا يقول باستان، بدأت الصراعات بين القبيلتين. وخلال الفترة الأولى من الاستقلال، عرفت رواندا العديد من المجازر، فحدثت هجرات كبيرة متتابعة للتوتسي إلى بلدان الجوار، واستمر الصراع بين القبيلتين إلى غاية سنة 1994، بعد أن تعقدت الأمور عام 1990، حينما قامت الجبهة الوطنية الرواندية، التي تتألف معظمها من اللاجئين التوتسي، بغزو شمال رواندا عن طريق أوغندا، في محاولة للإطاحة بحكومة الهوتو. وبدأت بذلك الحرب الأهلية الرواندية. وذكر باستان أن رواندا تعرف حاليا حالة من السلم، لكن بفضل سن قوانين صارمة تمنع الحديث عن الانتماء الإثني سواء كان “هوتو”، أو “توتسي”. وكانت بورندي، مثل جارتها رواندا، قد شهدت، حسب ذات المتحدث، حربا أهلية بعد صراع على السلطة بين زعماء الأقلية الحاكمة من التوتسي والغالبية في البلاد من عرق الهوتو. وخلص باستان إلى أن عدة دول إفريقية لا تزال تشهد صراعات عرقية عنيفة مثل: رواندا، وبورندي، وأوغندا، وتشاد، وجيبوتي، والسودان، أضف إلى ذلك فإن هناك بعض الدول الإفريقية التي تعاني مخاطر عدم الاستقرار السياسي وانهيار الدولة. الاستعمار أورث الحروب الأهلية “الحروب الدينية” الوجه الجديد للنزاع في إفريقيا اعتبر الكاتب والمراسل الصحفي جان فرانسوا باستان “الحروب الدينية” الوجه الجديد للنزاعات في القارة الإفريقية، تفسّرها ظهور جماعات ترفع شعار الدين للقتال يخرج نفوذها عن حدود الدول، في إشارة إلى مجموعات أفرادها من جنسيات مختلفة، تهدد استقرار العديد من البلدان في نفس الوقت، على غرار جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا. قال جان فرانسوا باستان إن الحركة الاستعمارية الكبيرة التي تعرّضت لها القارة الإفريقية في مجملها خلال ال200 السنة الماضية، أورثت النزاعات والحروب الأهلية التي كادت لا تستثني أي دولة على مستوى القارة، سنوات فقط بعد حصولها على الحرية والاستقلال. وذهب المتحدث إلى الاعتقاد أن مصير القارة الإفريقية على الصعيد الأمني كان ليختلف لو لم تتعرض للاستعمار من قبل القوى الأوروبية العظمى في القرن ال19 وبدايات القرن العشرين، واستبعد تبعا لذلك حدوث النزاعات الطائفية بين شعب البلد الواحد أو بين البلدان المجاورة، التي فُرضت عليها حدود وهمية، لم تكن معروفة فيما سبق، لتخلف في نهاية المطاف تقسيم الدول إلى دويلات على غرار ما حدث بالنسبة للكونغو والسودان. وعاد فرانسوا باستان، في سياق تبرير هذا الموقف، بذاكرة الحاضرين في الندوة المنظمة من طرف مركز الدراسات الدولية ل«الخبر” حول نشأة وتطور الصراعات المسلحة في إفريقيا، إلى الحالة التي كانت عليها الدول في القارة السمراء قبل الاستعمار الأوروبي، إذ لم تشهد حروبا بالوتيرة التي سجلتها في الخمسين سنة الماضية، على الرغم من الاختلافات الدينية والقبلية. وأشار المتحدث إلى النزاعات في إفريقيا وإن كانت طائفية أو إيديولوجية في ظاهرها، إلا أنها عادة ما تتغذى بعوامل من خارج القارة الإفريقية، كما هو الشأن بالنسبة للمصالح الاقتصادية والسياسية لقطبي القوى خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، إذ وجدت في البلدان الإفريقية ميدانا للصراع، بينما كان لتصدع المعسكر الشيوعي وانهيار الاتحاد السوفياتي بداية التسعينيات نفس الأثر السلبي، بظهور أنواع أخرى من الصراعات في مناطق مختلفة من القارة. مراسلون تحت القصف لنقل الحقائق والنزاعات الإعلام “شاهد عيان” على جرائم الحرب أكد جان فرانسوا باستان، الكاتب والمراسل الصحفي، أمس، على دور وسائل الإعلام والعمل الصحفي في الكشف عن جرائم الحروب والممارسات المناهضة للإنسانية خلال المنازعات الواقعة في مختلف مناطق العالم، عبر إخراج تفاصيل المواجهات بين الجماعات المتنازعة إلى النور وطرحها بالموضوعية الضرورية للعالم. وأشار فرانسوا باستان، المتخصص في نقل العديد من المنازعات في الدول الإفريقية، إلى أن تفاصيل عدة جرائم حرب وإبادات جماعية في مناطق كثيرة من العالم بقيت حبيسة الكتمان، بسبب عدم وجود إعلام من شأنه نقل الحقائق وفضح التجاوزات، الأمر الذي يؤكد على أهمية دور الصحافة بشكل عام، باعتبار أن المراسلين شهود عيان على الوقائع، وإن كان المتحدث قد أوضح أن الالتزام بالموضوعية المجردة في هذا المجال من العمل الصحفي غير ممكن عمليا، ليذكّر بتجربته في تغطية المواجهات العسكرية بين القوات المغربية والمقاتلين من جبهة البوليساريو، من منطلق أن موقعه كان في الجانب الصحراوي. ورفض المتحدث، خلال الندوة المنظمة من طرف “مركز الدراسات الدولية للخبر”، حول نشأة وتطور الصراعات المسلحة في إفريقيا، التفريق بين العمل الصحفي أو تصنيف المراسلين إلى “مراسل حرب” و«مراسل سلام”، مؤكدا أن هدف العمل الإعلامي في كلتا الحالتين يتجه إلى الإسهام عن طريق الصورة، الكتابة أو العمل الوثائقي في تحقيق السّلم، وتجاوز حالات النزاع أو الاعتداء على الأقليات، تحت ذرائع معين،ة عادة ما تختبئ وراءها الاختلافات الدينية والإيديولوجية والمصالح السياسية والاقتصادية. وأوضح ضيف ندوة “الخبر”، بالموازاة مع ذلك، أن المراسل الصحفي معرض في جميع الأحوال إلى المخاطر، على الرغم من احتمال مواجهة الخطر خلال العمل في المناطق غير المستقرة على الصعيد الأمني، وعند تغطية الحروب والمواجهات العسكرية، بحكم التعرض المستمر للإصابة من قبل الجماعات المتنازعة. وأشار إلى تجاربه الشخصية في هذا المجال خلال تغطية الحروب في إفريقيا، لاسيما على مستوى رواندا وبورندي، وأكد أنها الأعمال التي تفرض اتخاذ أكبر قدر من الاحتياطات والحذر. وأشار جان فرانسوا باستان، من الناحية المقابلة، إلى دور المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية ذات الطابع الإنساني والمسؤولية الملقاة على عاتقها للإسهام في التخفيف من وطأة النزاعات العسكرية، خاصة التي تتعرض لها الأقليات في المناطق الفقيرة في القارة الإفريقية، من منطلق أن الأمر لا يربط فقط بمواجهات مسلحة بين الجماعات المقاتلة، وإنما بأطفال ونساء وأفراد عزل، عادة ما يشكلون الحلقة الأضعف في المعادلة والضحية الأولى للحروب، فضلا عن تدمير حضارات وثقافات كثيرة والتسبب في نزوح الآلاف من السكان.