في الكونغو الديمقراطية حكومة هشة ومتمردون من قبيلة "التوتسي" ومتمردون من قبيلة "الهوتو "، وصراع قبلي قائم بين هاتين القبيلتين منذ سنوات، وصل الآن إلى درجة التفسخ بعد أن تدخلت في الخلافات القائمة دول إفريقية مجاورة، من بينها رواندا، وحركت جيوشها ومرتزقتها لنصرة هذا على حساب ذاك. أظهرت دراسة مسحية نشرت نتائجها بداية الشهر الجاري، أن حرب الكونغو هي أكثر الأزمات الإنسانية دموية في الستين عاماً الأخيرة، ووجهت لجنة الإنقاذ الدولية التي أعدت هذه الدراسة في تقريرها نداءات عاجلة للمجموعة الدولية لتقديم مزيد من المساعدات وتشديد الأمن في المنطقة، بعد تقديرات لمخلفات الحرب تشير إلى مقتل نحو أربعة ملايين شخص معظمهم ماتوا من الجوع والمرض. وأظهر المسح أن عدد القتلى في حرب الكونغو هو حتى الآن أكبر من عدد الذين قتلوا في البوسنة ورواندا وكوسوفو ودارفور... رواندا.. الدور الخفي للمصالح وقال ريتشارد برينان، مدير الصحة في لجنة الإنقاذ الدولية التي يقع مقرها في نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية بعد نشر نتائج عملية المسح في مجلة "لانسيت " الطبية، إن العالم يجهل حجم وآثار الأزمة في الكونغو الديمقراطية، مؤكدا على أن "حجم المشاركة الدولية مازال غير متناسب على الإطلاق مع الاحتياجات الإنسانية المطلوبة." . وقد نشبت منذ بداية الشهر الأزمة المتجددة في الكونغو الديمقراطية بعد الاشتباكات التي اندلعت شرقي البلاد بين القوات الحكومية والمتمردين بقيادة الجنرال لوران نكوندا، الذي يقول إنه "يقاتل دفاعا عن أقلية "التوتسي " في شرق الكونغو التي تعاني من أعمال العنف، وقد تخلى عن اتفاق سلام أبرم في فيفري الماضي ودعا إلى وسيط محايد للتفاوض . ومقابل هذا تسارعت الجهود الإقليمية والدولية لاحتواء الأزمة، وتحرك زعماء الاتحاد الأفريقي لعقد اجتماع قمة إقليمي في محاولة لحل الأزمة، بعد الطرح الأوروبي لمبادرة سلامفي المنطقة .. وكانت فرنسا وبريطانيا قد طرحتا مبادرة من جانب الاتحاد الأوروبي لضمان السلام في شرق الكونغو، كونهما البلدين الذين لهما نفوذ على المنطقة. وتوجه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر ونظيره البريطاني ديفد ميليباند، مباشرة بعد نشوب الحرب إلى الكونغو الديمقراطية ورواندا، اللتين تتهم كل منهما الأخرى بمساندة جماعات متمردة تشارك في العنف بالكونغو. كما توجه أيضا وزير الخارجية البلجيكي، الذي مازالت بلاده تحتفظ ببعض النفوذ في المنطقة. و موازاة مع تلك الزيارات والمساعي كانت نائبة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية متواجدة في المنطقة لبحث جهود المجموعة الدولية لسبل إيقاف هذه الحرب التي أن استمرت فإنها ستكون أقسى واعنف من الحروب التي سبقتها في المنطقة. وقال دبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي إن أي تدخل أوروبي في الكونغو سيكون على الأرجح إنسانيا وليس عسكريا على الأقل الآن، لكنهم في نفس الوقت لم يستبعدوا اللجوء الى إرسال قوات أوروبية فرنسية أوبريطانية وغيرهما الى منطقة النزاع في حالة ما إذا لم تتوصل القوات المتصارعة الى إيجاد أرضية اتفاق، توقف القتال وتنهي حالة الحرب القائمة. وقد كادت كل هذه الجهود أن تثمر عندما وقع نكودا زعيم المتمردين التوتسي اتفاق وقف القتال مع مبعوث الأممالمتحدة للمنطقة، لكن ذلك الاتفاق المبرم في منتصف الأسبوع الجاري لم يتم احترامه حيث اندلعت المعارك ساعات قليلة بعد ذلك. ويقدر خبراء أن حوالي مليون شخص تم تشريدهم من منازلهم في مدينة كيفو بسبب عامين من العنف الذي استمر رغم انتهاء الحرب التي دامت من 1998 إلى 2003 في الكونغو الديمقراطية، المستعمرة البلجيكية السابقة.. والمعروف أن قوات حفظ السلام تابعة للأمم المتحدة تنتشر في الكونغو منذ سنوات، وهي أكبر قوات حفظ سلام أممية تنتشر في العالم حيث أن عددها يفوق 17 ألف رجل، لكنها لم تتمكن من مواجهة عنف المتمردين والمليشيات على عدة جبهات،ولم تستطع هذه الأيام وقف التقدم السريع لقوات الجنرال نكوندا نحو مدينة غوما . خطر حرب عالمية من افريقيا يعتقد أن الثروات الطبيعية المعدنية الموجودة خاصة في شرق البلاد كالنحاس والكوبالت والذهب والألماس .هي التي أشعلت الصراع في الكونغو الديمقراطية، والذي شاركت فيه في العام 2003 ستة جيوش أجنبية لدول مجاورة، ووصف الصراع آنذاك بأول حرب عالمية في إفريقيا . وتعود جذور المشكلة القديمة المتجددة شرقي الكونغو الديمقراطية إلى الصراع المعروف بين قبيلتي الهوتو والتوتسي الذي تفجر عام 1994 بسلسلة من جرائم الإبادة في رواندا، حصدت نحو ثمانمائة ألف من الجانبين.. وبعد أن تمكن زعيم قوات التوتسي في ذلك الحين والرئيس الرواندي حاليا كاغامي- من هزم قوات الهوتو، فرت الأخيرة إلى شرقي الكونغو الديمقراطية، الزائير سابقا، وبقيت فيها حتى الآن. وقامت بعدها رواندا بغزو المنطقة لمطاردة الهوتو، ما أسفر عن سقوط نظام الرئيس الكونغولي السابق موبوتو سيسي سيكو واندلاع حرب شاركت فيها ست جيوش أفريقية في الفترة ما بين 1998 و2003 أسفرت عن مقتل خمسة ملايين شخص .. وتتهم رواندا جارتها الكونغو الديمقراطية بدعم واستخدام متمردي الهوتو الذين شارك بعضهم في ارتكاب حرب إبادة جماعية بحق التوتسي، بينما تتهم الكونغو النظام الرواندي بدعم الجنرال نكوندا الذي ينتمي الى قبيلة التوتسي .. وكشفت التقارير في الأيام الأخيرة عن استخدام الأسلحة الثقيلة في الاشتباكات الحالية. وقد طلب الكونغو دعم أنغولا في الأزمة، وبهذا فإن المنطقة مرشحة للدخول في دوامة عنف جديدة تعيد أحداث عام 1994 إلى الواجهة . لكن لا أحد من الأطراف المتنازعة سيستفيد من تكرار مأساة رواندا التي مازالت تداعياتها ماثلة حتى الآن... في الكونغو، صراع إثني بين قبيلتي "التوتسي" و" الهوتو " وحرب إبادة تحركها مصالح الدول المجاورة واستراتيجيات الدول الكبرى ، وعالمنا العربي ليس بعيدا عن هذا. ففي العراق غزو أمريكي وصراعات بين السنة والشيعة والأكراد، وفي لبنان صراعات طائفية لأكثر من 18 طائفية إثنيه ودينية ومذهبية، والقائمة تطول ...