توقيف طبع بعض الصحف من طرف مطابع الدولة ليس هو الحل المناسب لمشكلة الفساد الذي يعرفه تسيير هذا القطاع طوال ربع قرن تقريبا، وقد ازداد هذا الفساد مؤخرا.. والوزير الحالي ليس له الصلاحيات ولا القدرة على حل المعضلة الفسادية في قطاع الإعلام العام والخاص على السواء. أولا: هل من المناسب وقف سحب الصحف التي وصلت ديونها إلى أرقام خيالية عند بعض الصحف (الكبرى) وهل عقوبة وقف السحب كافية للسكوت عن الملايير الممليرة التي سجلت كديون على هذه الصحف بتواطؤ من مطابع الدولة والمسؤولين عن الإعلام والإشهار العمومي.؟ǃ ثانيا: في سنوات الدم كانت السلطة تقوم بتوقيف الصحف وتعتبر ذلك عقوبة كافية للسكوت عن الديون لدى المطابع.. أي أن السلطة كانت تقوم بالاعتداء على حرية التعبير التي يضمنها الدستور والقانون للمواطنين، وتقوم بدفع ثمن ذلك من المال العام لفائدة هؤلاء الموقوفين الذين لا يدفعون مستحقات المطابع. هل تعرف الحكومة والوزارة والرأي العام والعدالة ومجلس المحاسبة قائمة الصحف التي توقفت أو أوقفت وتركت الديون لدى المطابع لمئات الملايير وسجلت هذه الأموال العمومية ضد مجهول؟ǃ ثالثا: هل باستطاعة الوزير الحالي ومدراء المطابع تنوير الرأي العام بالمبالغ التي تركتها الصحف الموقوفة كديون لدى المطابع؟ǃ ولماذا سكتت الدولة عن الموضوع ومنهم المستفيدون من هذه المبالغ التي تركت كديون بعد وقف هذه الصحف سواء بالحجج القانونية أو التجارية. رابعا: هل لهذه الحكومة الشجاعة الكافية لنشر تفاصيل ملف الإشهار العمومي؟ كم هي المبالغ التي رصدت للإشهار العمومي خلال 20 سنة الأخيرة وما هي العناوين التي استفادت من هذا الإشهار وما هي المعايير التي تم على أساسها توزيع هذا الإشهار... ومن كان آمرا بالتوزيع؟ ! وأين صرفت المؤسسات الخاصة والعامة عائدات هذا الإشهار. أليست الشفافية مطلوبة في هذا المجال؟! خامسا: سمعت منذ 5 سنوات تقريبا عن تحرك مجموعة من المستفيدين من ريع الإشهار العمومي والمستفيدين من سياسة الطبع المجاني للصحف لإقناع الحكومة والرئاسة تحديدا باتخاذ قرار محو ديون طبع الصحف لدى المطابع... وكان الهدف هو تغطية الفساد الذي مارسه التسيير الأمني للطبع والإشهار العمومي الخاص عبر محو آثار الجريمة في حق المال العام بما شبه العفو الرئاسي عن الفساد في قطاع الإعلام ووصل الأمر حتى إلى محاولة إرشاء الوزير من أجل تقديم هذا الملف للرئاسة. واليوم هل يريد الوزير الجديد غلق هذا الملف بطريقة أخرى وهي جعل توقيف الصحف وسيلة للسكوت عن الديون؟! سادسا: الحل الذي ينبغي أن يتخذ هو تكوين لجنة تحقيق حكومية برلمانية وبمشاركة المهنيين والأمن ومفتشية المالية لضبط المخالفات التي حدثت في هذا القطاع، واتخاذ الإجراءات الكفيلة باسترجاع الأموال العامة المنهوبة بالإشهار الكاذب والطباعة المزورة وملاحقة الفاسدين عمليا وليس غلق الصحف وتسجيل ضياع الأموال ضد مجهول يكون قد أمر بإعطاء هؤلاء الأموال. ثم أمر بوقف هذه الصحف لشرعنة سكوت الدولة عن ضياع المال العام بهذه الطريفة، فهل باستطاعة الوزير أن ينجز هذا المهمة.. لا أعتقد. !