الأجواء الآخذة في التشكل على الحدود الجزائرية المغربية بتلمسان تنذر بوضع خطير، قد يحوّل المنطقة إلى بقعة توتر دائم، فمن جانب الجزائر فقد حشدت قوات حرس الحدود وعززت حالة الاستنفار، فيما يقوم عناصر الدرك الملكي المغربي بدوريات على طول الشريط، كل طرف يراقب الآخر. هذا الوضع وإن جعل الحزام يضيق على المهربين وعلى تنقل الأشخاص بين البلدين، خاصة وأن بعض السكان يقولون إنهم يعيشون شبه حصار غير معلن عنه، فإن المصلحة أبقت على صداقة وتحالف بارونات تهريب “الذهب الأخضر” العاملين بقاعدة (متى أغلقت كل الأبواب جميعها ينبغي البحث عن منفذ جديد) تنفيذا لأجندة أباطرة محليين ودوليين يتاجرون بهذه المادة. الزائر للمركز الحدودي مرسى بن مهيدي الواقع على بعد أزيد من 60 كيلومترا غرب مدينة مغنية، يلاحظ في طريقه تموقعا لحرس الحدود على خط التماس الحدودي عند كل نحو مائتي متر، ولفت انتباهنا تضاعف عدد عناصر الحدود المنتشرين على مستوى الوادي الفاصل بين الجزائر والمغرب، عندما مررنا بمنطقة بوكانون واتضحت الصورة التي تؤشر إلى دخول عناصر حرس الحدود في عملية استنفار قصوى عند وصولنا إلى المركز الحدودي مرسى بن مهيدي، حين رأينا انتشارا لافتا لهذه العناصر على طول ضفاف الوادي الفاصل بين تراب البلدين. عندما تجتاز مقر حرس الحدود الذي كتب عليه “المركز الحدودي لمرسى بن مهيدي” والذي يبعد عنه مركز حراسة بنحو 20 مترا، تقابلك مباشرة منطقة السعايدية المغربية، كان نحو7 أشخاص مغاربة عاكفين على مواصلة أشغال إقامة السياج الفاصل بين التراب المغربي والجزائري، فيما كان عناصر الدرك الملكي يقومون بدوريات لمراقبة الشريط الحدودي على متن سيارات رباعية الدفع، وعلى بعد نحو 50 مترا عنهم أخذت بعض عناصر الدرك الملكي مواقعها بالقرب من ثكنة. في خضم تلك الأجواء التي كان يميزها يوم مشمس، كانت الأعين تراقب الأعين على نحو يترك انطباعا بأن الأوضاع أصبحت مشحونة والتوتر بلغ مداه، كما لو أن طبول الحرب قد دقت. عودة هذا التوتر من جديد بين البلدين كان على خلفية استفزازات واتهامات أطلقها المغرب، والتي تفيد أن قوات حرس الحدود الجزائري قامت بإطلاق النار على مواطنين مغاربة على مستوى الشريط الحدودي لإقليم دائرة باب العسة. حرس الحدود في استنفار غير مسبوق وعلى العموم فإن الأجواء السائدة على طول الشريط الحدودي مع المغرب تنذر بوضع خطير، قد يحول المنطقة إلى بؤرة توتر دائمة لعدة سنوات، خاصة وأن عناصر من حرس الحدود ممن التقت بهم “الخبر” بمنطقة بوكانون يعترفون بأن الوضع لم يعد كما كان من قبل، والمنطقة تعيش وضعا استثنائيا بعد أن أوضح عنصر آخر وهو يقول “حرس الحدود هو اليوم في حالة استنفار قصوى تحسبا لأي طارئ، وربما شاهدتم مظاهر هذا الاستنفار وأنتم في طريقكم إلى مرسى بن مهيدي”، ليضيف آخر قائلا: “حالة الاستنفار القصوى تعني أنه على مسافة كل 3 أمتار يوجد عنصر لحرس الحدود، وهذا الأمر مجسد في الميدان، ربما لم تظهر لك هذه الصورة على مستوى الطريق، لكن عندما تنزل إلى خط التماس الحدودي تجد هذه الصورة مجسدة في الميدان”. وتعطي الاتفاقية المبرمة بين 7 دول بينها المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا والجزائر والنيجر ومالي.. في ثمانينات القرن الماضي، الحق للدرك الوطني بدل الجيش أو الجمارك بحراسة الحدود، على اعتبار أنها تنص على أن القوة الثانية في القوات المسلحة هي التي تتولى القيام بهذا الدور وهي الدرك الوطني. وما فهمناه هو أن حالة الاستنفار لجيش الحدود غير مقتصر على الشريط الحدودي لولاية تلمسان المعروف بتهريب المخدرات والوقود والمواد الغذائية والألبسة والنحاس، بقدر ما يشمل كل الشريط الحدودي الغربي (النعامة، تندوف، بشار) وهو استنفار تزامن أيضا، يضيف أحد العناصر، مع توالي عمليات الحجز الضخمة لكميات المخدرات على الحدود من يوم لآخر المقدرة بالقناطير، بما يعني أن بارونات المخدرات وشبكاتها ما تزال تفضل رواق الشريط الحدودي الغربي لتسويق بضاعتها عبر الجزائر. وإن كانت قوات حرس الحدود قد قام بمحاولات كبح إرادة المهربين من خلال قطع أوصال تهريب المخدرات والوقود والمواد الغذائية وبعض المواد المعدنية نحو المغرب، من جانب حفر خندق على مسافة تزيد عن عشرات الكيلومترات، فإن بارونات التهريب أينما كانوا يعملون بقاعدة (متى أغلقت الأبواب جميعها ينبغي البحث عن منفذ جديد). رشق حرس الحدود بالحجارة وسب وشتم يعترف بعض عناصر حرس الحدود أن “بعض المهربين المغاربة مازالوا يقومون من حين لآخر بمحاولات ردم الخندق بالتراب لتشكيل معابر تمكنهم من تهريب المخدرات وإدخال الوقود وباقي المواد الغذائية، وذلك بالتعاون مع جزائريين”، ناهيك عن “استفزازات يقوم بها مواطنون مغاربة عندما يتم منعهم من عبور الحدود كالسب والشتم ورشق حرس الحدود بالحجارة”. ولعل آخر ابتكار لجأ إليه المغاربة بعدما تم تضييق الخناق عليهم داخل منطقة السعايدية المغربية على أمل تهريب سلعهم نحو الجزائر يضيف آخر، هو “إقبالهم على تفكيك وقطع السياج خلال أيام عيد الأضحى، رغم أن أشغاله لم تنته بعد، ما قاد المغاربة إلى رفع دعاوى قضائية ضد بعضهم البعض”. والى ذلك لا يتردد مواطنون ببلدية مرسى بن مهيدي من تقديم مبررات للتعزيزات الأمنية الخاصة التي تعرفها الحدود الغربية للبلاد، بينها تمادى المغرب في استفزازاته ولاسيما بعد أن حاول مغاربة السيطرة على قطع أرضية لأحد الفلاحين الجزائريين يقيم على الشريط الحدودي لإقليم باب العسة، وكاد الوضع يعرف انزلاقا أمنيا، فضلا عن تمادي المغرب في إطلاق نفايات بلده في مجرى الوادي الفاصل بين البلدين والذي يصب في جزء من الشواطئ الغربية لمرسى بن مهيدي. هذه القضية، شكلت محور زيارة لوفد عن هيئة الأممالمتحدة خلال الأشهر الماضية للمنطقة لمعاينة حالة الوادي، حسب ما صرحت به لنا مصادر أمنية وحررت بشأنه تقريرا قدمت على إثره تحذيرا للمغرب وألزمته بالتوقف عن صب نفاياته في الوادي. المهربون المغاربة سبق لهم أن استعملوا حيلا ولازالوا مثل تشغيل المتقاعدين كسياح لنقل المخدرات من المغرب إلى إسبانيا، واستعمال الفوانيس كعبوات لتخزين الحشيش، وكذا اعتمادهم على المعاقين بحشو كراسيهم المتحركة بالحشيش قصد تهريبها والإفلات من الرقابة الأمنية، وآخر الابتكارات استعمالهم للمهاجرين الأفارقة الذين يهربون الكوكايين في أمعائهم مقابل المرور إلى الضفة الأخرى. ومع ذلك، فإن قوات حرس الحدود مازالوا ينظرون إلى بعض المناطق الحدودية مثل باب العسة، سيدي بوجنان، السواني على أنها مناطق لتسلل المهربين بامتياز، لأن السكان هناك يقدمون التغطية الكافية للمهربين، فضلا عن التضاريس الجغرافية المساعدة كالمنحدرات والهضاب وبعض الوديان، زيادة عن خريطة انتشار سكان القرى والمداشر على الشريط الحدودي من كلا البلدين، فمثلا بقرية الشراڤة لا توجد حدود بين سكان البلدين ماعدا حاجز لنبات “التين الشوكي”. ومقابل ذلك يتساءل الرأي العام المحلي في مغنية وباقي المداشر والقرى عن الأسباب الخفية من وراء حجز القناطير من المخدرات من يوم لآخر من غير أن يتم القبض على باروناتها؟ القبض على البارونات، يقول أحد عناصر الحدود، أمر مستحيل، لأنه “في الغالب هذه الكميات الكبرى يلقى بها على الحدود وهو ما يصعب القبض على صاحبها، لذلك نفضل أن يتم حجز هذه الكميات داخل المدن أو داخل مناطق سكنية حتى يكون لنا صيد وفير يسمح لنا بالتعرف على عدة شبكات، ولذلك نقوم أحيانا بعمليات تمويه على المناطق الحدودية نتغاضى فيها عن بعض عمليات تهريب الوقود حتى يعتقد مهربو المخدرات أن الطريق مفتوحة وآمنة ومن ثمة نقوم بمفاجأتهم”. ويكتمل عمل الشرطة والدرك والجمارك وحتى وحدات الجيش المتمثل في دوريات منتظمة وحواجز مباغتة وكمائن، فمن مغنية إلى دائرة باب العسة وصولا إلى مرسى بن مهيدي مررنا على 8 حواجز أمنية. الحزام يضيق على المهربين ما لمسناه هو أن هذه التعزيزات الأمنية على الشريط الحدودي جعلت الحزام يضيق بشكل كبير على من اعتادوا تهريب الوقود والمواد الغذائية والنحاس والألبسة، بل وكبحت حتى إرادة الأشخاص ممن اعتادوا عبور الحدود البرية للدخول إلى المغرب أو الجزائر في إطار تبادل الزيارات بين العائلات الجزائرية والمغربية، خشية تعريض حياتهم للخطر، ماعدا بعض العائلات القليلة التي يسمح لها نزولا عند الضرورة القصوى بالدخول والخروج على مستوى المركز الحدودي مرسى بن مهيدي. فيما تقلص تهريب الألبسة المغربية إلى الجزائر بدليل أننا عندما زرنا سوق الزوية لم نعثر على الألبسة المغربية، على نحو ما كان عليه الأمر في السابق، والأمر نفسه بالنسبة للألبسة المعروضة في سيدي بوجنان وباب العسة ومغنية، وكل الألبسة تأتي من تركيا والصين، ماعدا بعض ألبسة النساء. ويقول فريد، وهو شاب كان مهربا للوقود قبل نحو عامين: “الإجراءات الأمنية الجديدة على الحدود أثرت بشكل كبير على شريحة الشباب البطال، لأنها في وقت سابق كانت تقتات من التهريب”، بل وحتى عملية تهريب الوقود تقلصت بشكل كبير نتيجة مفعول القانون الذي يسري في المنطقة الخاص باستهلاك واستعمال هذه المادة وكذا تبعات القانون التي امتدت أيضا إلى منع دخول عدد من أنواع السيارات المستعملة في تهريب الوقود إلى تلمسان (R21، R25، لاغونا، 406، R18، مرسيدس وغيرها) كما يمنع بيعها إلى أشخاص آخرين ويمنع تجهيزها ببرميل الغاز، بعد أن أحصت ولاية تلمسان قبل نحو العام أزيد من 7000 سيارة يتم استخدامها في تهريب الوقود. “نحن نعيش شبه حصار” إلا أن كثيرا من الناس ممن تحدثنا إليهم في مغنية وباب العسة وسيدي بوجنان، يقولون إن هذه الإجراءات الأمنية وهذه القوانين ليست في محلها، على اعتبار أن هذه المناطق الحدودية لم تلامسها التنمية المحلية، بل ولم تستفد من مشروع بارز على نحو يمتص نسبة البطالة المتفشية، بل ويعترف خالد، وهو خريج جامعة تلمسان ويقيم بمغنية، أن “مغنية وضواحيها تعيش شبه حصار غير معلن عنه، بدليل أن أسعار كل المواد في هذه المنطقة مضاعفة”، قبل أن يضيف شاب آخر “كل الناس في مغنية وضواحيها على علم بأن السلع والبضائع يتم جمركتها في منطقة (35)، أي المنطقة التي تبعد 35 كم عن مغنية، يعني ذلك أن السلعة بعد جمركتها يرتفع سعرها”. ومع ذلك، فإن المصلحة تجعل المهربين من كلا البلدين، الجزائر والمغرب حلفاء وأصدقاء حتى في أشد الحالات، إذ برغم الوضع الأمني الاستثنائي على الشريط الحدودي من مغنية إلى بني بوسعيد (الزوية) وصولا إلى مرسى بن مهيدي، إلا أن المهربين فضلوا مواصلة لعبتهم الخفية مع حرس الحدود والشرطة والجمارك، ولاسيما المهربين المنحدرين من باب العسة وسيدي بوجنان والسواني ولعشاش والمعازيز وغيرها. العبقرية الإجرامية لهؤلاء المهربين اهتدت إلى وسيلة استعراضية هوليودية، إذ قام مهربون كانوا على متن سيارة من نوع رونو 21 بدهس ضابط لحرس الحدود في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الناس، وحسب شهود عيان فإن الضحية يكون قد أحرجهم عندما قام بإيقافهم في وسط الطريق، وهم كانوا على وشك إنهاء عملية تهريب خططوا لها بإحكام. عمليات إجرامية من هذا النوع استهدفت أيضا العام الماضي عونا للجمارك وقبلها شرطيا بمغنية. بل إن ما استنتجناه عندما كنا نجتاز إحدى القرى بدائرة باب العسة، هو أن المهربين مازالوا يعلقون أملا كبيرا على التهريب، بدليل أننا لاحظنا شبابا يقوم بتجهيز عشرات الأحمرة في إسطبلات ربما لاستخدامها في تهريب الوقود أو نقل السلع والبضائع أو المخدرات، طالما أن الحمير تعرف المسالك والدروب الوعرة، فيما كانت محلات أخرى بسيدي بوجنان تبيع عشرات الصفائح المعدة سلفا لتهريب الوقود، ولو أن الرهان الأكبر في لعبة التهريب هي المخدرات، طالما أن الريف المغربي يتوفر على منتوج وافر. فعلى أرض الشريط الحدودي الغربي للبلاد تتقاطع طموحات المافيا المحلية للمخدرات مع أباطرة التجارة الدولية لهذا (الذهب الأخضر) ومعه الكوكايين والهروين. إذ أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن هناك تزايدا لظاهرة تهريب الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا عبر غرب القارة الإفريقية ووسطها بمعدل 200 إلى 300 طن سنويا من الكوكايين، وأن متعاطي هذه المادة بلغ 7 بالمائة في القارة السمراء. وسبق لحرس الحدود أن أوقف أشخاصا على الحدود الجزائرية المغربية بحوزتهم مخدر الكوكايين، ما يوضح بالتالي علاقة تهريب المخدرات بالمافيا الدولية لهذه المادة التي لا تتردد في استعمال المهاجرين السريين في نقل الكوكايين. كما كشف تقرير للاتحاد الأوروبي وآخر للأمم المتحدة في وقت سابق أن هناك بارونات دوليين لتجار المخدرات تربطهم علاقات متشعبة برجال السياسة المغربية وبمختلف الأجهزة الأمنية بها، وقامت الهيئتان بممارسة ضغوط على المغرب لمحاربة الظاهرة، إلا أن مجهودات المملكة بدت ضعيفة أمام الشبكات الأخطبوطية التي وجدت لها موطئ قدم في المغرب. طائرات لنقل المخدرات بالريف المغربي وتكشف تحقيقات لصحافيين مغاربة، نشرت خلال شهر سبتمبر الماضي، أنه بعدما اكتشفت الحكومة المغربية الموانئ الصغيرة التي أنشأها بارونات المخدرات في تسعينات القرن الماضي مخصصة لنقل الحشيش من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى أوروبا على متن زوارق شراعية، انتقل اليوم تجار(الذهب الأخضر) إلى وسائل أخرى تتمثل في الاستعانة بطائرات سياحية خفيفة لنقل الحشيش إلى أوروبا وبالأخص إلى إسبانيا. وأشارت الصحف تلك إلى وجود مطارات سرية تتمثل في مساحات مستوية يتم إعدادها سلفا. والمثير للاستفهام أن السلطات المغربية لم تستطع تعقب مسار هذه الطائرات التي تخترق المجال الجوي وتحط للتزود بالمخدرات في الريف المغربي ثم تعود إلى أوروبا. وكانت الصحافة الإسبانية قد تطرقت إلى واحد من الأفلام التي عرضت في قاعات السينما الإسبانية، خلال الشهرين الماضيين، يبرز مشاهد تورط الدرك الملكي المغربي في تسهيل التهريب الحقيقي للمخدرات لعصابات إجرام منظم.