إن كان فوز الباجي قايد السبسي بالانتخابات الرئاسية في تونس، قد يريح أكثر من غيره الحكومة الجزائرية، فإن نجاح تونس في الخروج من مرحلتها الانتقالية بتنظيم انتخابات شفافة، قد أثلج صدور أحزاب المعارضة في الجزائر بغض النظر عن الفائز فيها، لكونها ترى فيه نموذجا ناجحا سترفعه ضد السلطة في الجزائر التي ظلت ترفض التغيير وتخيف الرأي العام بتجارب “الربيع العربي” الأخرى غير الناجحة. سارعت أحزاب المعارضة في الجزائر، في رد فعلها على نتائج الرئاسيات التونسية، إلى تثمين الخطوة التي قطعها التونسيون في تجسيد تجربة ديمقراطية، سترمي من دون شك بظلالها على دول الجوار. وهذا النجاح في تونس جعل لسان حال أحزاب المعارضة في الجزائر يردد: “إذا كانت التجربة نجحت في تونس، فلماذا لا تنجح في الجزائر ويتحقق التغيير السلمي ؟”، في إشارة إلى أن الجزائر تأخرت عن ركب الإصلاح وتكلست في “ديمقراطية الواجهة”. وستظل أحزاب المعارضة في الجزائر في المرحلة المقبلة في تعاطيها مع السلطة، ترفع ورقة نجاح التجربة الديمقراطية في تونس، لإقناع السلطة ب”الانتقال الديمقراطي”، مثلما تروج له تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي بمعية قطب التغيير، ودفع الشارع أيضا ليرمي بثقله في هذه المعادلة والتخلي عن فكرة “التغيير يحمل الفوضى “ الذي ظلت تروج له أحزاب الموالاة قبل رئاسيات 17 أفريل وبعدها. وضمن هذا السياق يعتبر الأرسيدي أن “المقترح القاضي بإنشاء هيئة مستقلة ودائمة للانتخابات يلقى مساندة أغلبية الأحزاب ذات المصداقية”، في رسالة منه إلى ضرورة القطيعة مع تجارب الانتخابات الماضية والخروج من عهد “توزيع الكوطات” في التشريعيات و”التزوير” للمواعيد الانتخابية. وكانت الجزائر عبر وزارة الخارجية، خلال الدور الأول للانتخابات التونسية، قد أعربت عن ارتياحها “للمناخ الهادئ ولحس المسؤولية” اللذين ميزا الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في تونس. وقالت إن “هذا الاقتراع يمثل مرحلة حاسمة في مسار الانتقال الديمقراطي ويعد بمستقبل مشرق ومزدهر لهذا البلد الشقيق على درب تعزيز الاستقرار والديمقراطية ودولة القانون”، لكن عندما يعلن الفائز بالرئاسيات فيها (قايد)، بأن الجزائر ستكون وجهة أول زيارة له، فهو ما من شأنه أن يريح أكثر الحكومة الجزائرية التي سيسهل عليها خروج تونس بنجاح من مرحلتها الانتقالية بهدوء، مواجهة القلق الذي ولدته الوضعية المتدهورة في الجارة الشرقية ليبيا، التي لم يتمكن الفرقاء فيها من الجلوس إلى بعضهم حول طاولة الحوار مع الهيئة الأممية، ويطلب بعض الليبيين حتى التدخل العسكري الخارجي في بلدهم، الذي أضحى قاب قوسين أو أدنى منه، حتى وإن كانت الجزائر بقيت لوحدها ترى بأنه مازالت هناك فرصة للحل السياسي. لقد تنفست الجزائر الصعداء بخروج تونس منتصرة من الانتخابات، ما يسهل عليها التنسيق الأمني وحماية الحدود المشتركة بين البلدين من تداعيات الفوضى الجارية في ليبيا، خصوصا وأن السلطة تملك علاقات جيدة مع رئيس تونس وصاحب الأغلبية البرلمانية الباجي قايد السبسي. ولأول مرة تحقق الانتخابات التونسية رضا السلطة والمعارضة معا في الجزائر، فالسلطة تفادت حكم الإسلاميين في تونس بعد تراجع نفوذهم، والمعارضة كسبت ورقة جديدة ناجحة (تجربة تونس) كنموذج لمشروعها في التغيير، ستساعدها في تحقيق مطلبها بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، على غرار ما تحقق في تونس، للخروج من الشرعية الثورية إلى ديمقراطية الصندوق.