تقف تنسيقية الانتقال الديمقراطي، كأهم كيان معارض في الجزائر تشكل لمناهضة العهدة الرابعة، عند لحظة فارقة في مسارها السياسي المعارض، إثر نشوب أزمة داخلية بين أعضائها، وصلت إلى حد تلويح جبهة العدالة والتنمية بالانسحاب، عقب لقاء جمع بين رئيس حركة مجتمع السلم ومدير ديوان الرئاسة. على مدار سنة ونصف السنة من إنشائها، كان أكثر ما يفخر به أعضاء تنسيقية الانتقال الديمقراطي أنهم استطاعوا، بعد سنوات من فرقة المعارضة، التوحد أخيرا على مشروع سياسي واحد في مواجهة النظام السياسي القائم، يضع القواعد الكفيلة لانتقال ديمقراطي سلس يجنب البلاد مخاطر التغيير العشوائية التي تعصف ببلدان مجاورة. لكن “منجز الوحدة” الذي تحقق في لحظة “عاطفية” اتفق فيها عدد من الأحزاب على رفض العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، ثم تحول بعد ذلك إلى لحظة “واعية” صنعت مشروع الانتقال الديمقراطي ووحدت عليه المعارضة في ندوة مازافران التاريخية، يوجد اليوم أمام محك حقيقي لاستمراره كأحد أهم المنجزات المتحققة. والسبب المعلن في كل ذلك، هو اللقاء الذي جمع رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، مع مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، وهو ما عده شركاء مقري في التنسيقية، مثلما بدا في تصريحاتهم، تجاوزا منه في حقهم بعدما اتفقوا على أن الحوار مع السلطة إنما يكون جماعيا. لكن أعضاء التنسيقية اختلفوا في أشكال التعبير عن احتجاجهم تجاه رئيس حمس، فمنهم من لامه والتمس له الأعذار في الوقت ذاته، كما هو حال جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد، والبقية فضلوا أن يسوى الخلاف بعيدا عن الإعلام في اجتماع التنسيقية، الأربعاء الماضي، لكن جبهة العدالة والتنمية ذهبت إلى حد الإعلان عن “تقرير المصير” في التنسيقية تبعا لتصرف رئيس حمس. فهل بالغ عبد الله جاب الله في ردة فعله أم لقاء مقري - أويحيى كان عن حق خطأ سياسيا لا يغتفر؟ في الواقع، لم يكن هذا اللقاء المثير للجدل سوى ترجمة لمشاورات أعلنت عنها حمس في اجتماع مجلسها للشورى، في جانفي الماضي، والتي أثارت في حينها زوبعة في المعارضة نظرا لطابعها الفجائي، بعد أن ظن الجميع أن حمس التي استتبت في المعارضة بقيادتها الجديدة، تحاول البحث من جديد عن طريق يوصلها إلى السلطة. ووقتها، طمأن مقري شركاءه بأن هذه المشاورات تأتي امتصاصا لضغوط داخلية يواجهها من تيار رئيس الحزب السابق، أبو جرة سلطاني، أي أنها مشاورات “تكتيكية” فقط، بينما خيار حمس “الاستراتيجي” يوجد بين أحضان المعارضة. بيد أن الحزب الوحيد في التنسيقية الذي لم يقتنع بتبرير رئيس حمس، كان جبهة العدالة والتنمية، الذي أصدر بيانا شديدا في انتقاد هذه الخطوة، في سلوك يعكس، وفق مراقبين، الحساسية الموجودة بين هذين الحزبين الإسلاميين اللذين كانا على خلاف دائم في كل خياراتهما السياسية بعد التعددية الحزبية، حيث ينقل المقربون من عبد الله جاب الله امتعاضه من السلوك السياسي للراحل محفوظ نحناح في عقد روما بعد انسحابه منه، ومن مساندة حمس للرئيس بوتفليقة سنة 99 ثم تزكيتها لتعديل الدستور الذي فتح العهدات، ومن خياراتها في وقف المسار الانتخابي سنة 1992 والمشاركة في السلطة عموما، حتى وإن كان جاب الله لم يصرح بذلك علنا. وبالمقابل، يكشف عبد الرزاق مقري، في مقالات شهيرة سنة 2012 حول “الفرص التي أضاعها الإسلاميون”، جزءا من نظرته إلى عبد الله جاب الله، إذ يعتقد مقري أن جاب الله بعد تشريعيات 2002 التي حصد فيها المرتبة الثالثة، كان بإمكانه “أن يتحول إلى زعيم وطني لا يعادله أحد وأن يجر بعد تلك الانتخابات تيارا شعبيا واسعا”، لكنه، في تقييم رئيس حمس، “فوت الفرصة لأسباب تتعلق بنفسيته وطرق تسييره شؤونه التنظيمية والحزبية للأسف الشديد، ولا ينفع أن يقول إن النظام تآمر علي مع من انشقوا عنه في مختلف المرات، إذ حتى وإن وقع ذلك حقا، فماذا فعل هو ليضمن صفا داخليا محصنا؟”. وفي حين بدأت التحركات لحل الأزمة بين حمس وجبهة العدالة والتنمية، تواجه التنسيقية اختبارا حقيقيا حول مقدرتها على تجاوز خلافاتها الداخلية وتوجيه طاقاتها الحقيقية في الحشد الشعبي لمشروعها، الذي يجمع المراقبون على أن عملا ميدانيا ضخما لا يزال ينتظره، فوحدة المعارضة ليست غاية في حد ذاتها ولكنها وسيلة لقلب موازين قوى لازالت إلى الآن في كفة السلطة.