استطاع الفلسطينيون بمقدرتهم المادية والجسدية التي أنهكها الاحتلال شق طريقهم نحو الديار الحجازية لأداء مناسك الحج، وعلت الفرحة وجوه حجاج قطاع غزة في أيام سفرهم عبر معبر رفح وسط آمال بسهولة سفرهم وترحالهم. µ زارت “الخبر” معبر رفح ورافقت الحجيج الغزاويين ممن حالفهم الحظ في تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، واستمعت إلى أمنياتهم ودعواتهم وآلامهم، ورصدت قصصهم مع الموت والحياة والعبادة، وتواصلت “الخبر” معهم فور وصولهم البلاد الحجازية وروت من أفواههم مدى التعاطف العربي والإسلامي مع أهل فلسطين. امتلأ قلب الحاجة سعدية وأحفادها بالفرح بعد أن تمكنت من انتشال “شنطة” السفر من بين ركام بيتها المهدم، تمهيدًا لتعبئتها بحاجيات سفرها إلى الديار الحجازية ضمن الدفعة الأولى من حجاج غزة. الحاجة فاطمة أم محمد الشيخ 65 عامًا، القاطنة في حي الشجاعية سابقًا وفي مركز الإيواء حاليًا، دمّر الاحتلال منزلها في قصف عنيف استهدف الحي جوًا وبرًا، وأدى إلى تدمير مئات المنازل واستشهاد العشرات من سكانها خلال العدوان الأخير على غزة. وقالت الحاجة فاطمة ل«الخبر”: “صار لي سنين بستنى ها اللحظات، ما كنت بتوقع أنه نظل عايشين بعد الحرب الطاحنة اللي تعرضنا الها، بس الحمد للّه النا نصيب نزور الكعبة قبل ما نموت”.
تابعونا على صفحة "الخبر" في "غوغل+"
ويغلب على حجاج قطاع غزة طابع كبر سنهم، في ظل ارتفاع أسعار الحج التي تفوق ال2000 دينار أردني، وسط وضع اقتصادي صعب يعيشه المواطنون في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 8 سنوات. وتضيف أم محمد التي بدّت عليها علامات السعادة لقرب مغادرتها صوب بيت اللّه المحرم: “اللّه يعلم كيف جمعنا المبلغ المطلوب. الوضع صعب عنا بغزة، واليهود خلال الحرب دمروا مصدر رزقنا الوحيد”. أما الحاجة سعاد حسونة فتقول: “أنا جيت من مركز الإيواء على السفر مباشرة، عايشين في مدارس الوكالة والظروف المادية صعبة للغاية، ما باقدر أستأجر بيت خلال هذه الفترة، وأنا أرملة وبالكاد استطعت تجميع مبلغ الحج”. وبالعودة للحاجة سعدية التي همّت بالصعود للحافلة التي تقلّها للجانب المصري من المعبر ختمت حديثها بالقول: “إن شاء اللّه بنرجع من السعودية بالسلامة ويكون وضع قطاع غزة أفضل. مكفي اللي شفناه على مدار أكثر من شهرين، وننتظر دعم حكومتنا إلنا كحجاج غزة”. وبلغ عدد فوج الحج الفلسطيني لهذا العام 6000 حاج، بواقع 2200 حاج من قطاع غزة والبقية مقسمة على المناطق الفلسطينية المختلفة، وغادر حجاج غزة بدءًا من الأحد الماضي وعلى مدار 3 أيام. الحرب لم تحل بينهم وبين مكة غادرت الدفعة الأولى والثانية والثالثة من حجاج قطاع غزة، ولم يمنعها غبار الحرب الإسرائيلية التي تعرضوا لها على مدار 51 يوما من تحقيق أمنيتهم بالحج إلى البيت الحرام، في رسالة تحدٍ وصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية. غادر حجيج القطاع لكن غزة بقيت في قلوبهم وعقولهم، فحملوا همومها وأزماتها معهم، للدعاء تارة بتفريج الكروب، ولشرح معاناتهم لمن سيقابلونهم في الديار الحجازية تارة أخرى. ولكل واحد من الحجيج حكايته الخاصة، فذلك لم يحالفه الحظ بأداء ركن الإسلام الخامس منذ 14 عاماً، وذلك ترك خلفه بيته المدمر، وتلك باعت حليها لتظفر بالعودة نقية من الذنوب والخطايا. وفتحت السلطات المصرية المعبر استثنائيا لمدة ثلاثة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي، من أجل مغادرة الحجاج دون السماح للعالقين على أراضيها وفي الدول الأخرى بالعودة إلى قطاع غزة، في حين تغلقه في وجه المرضى وأصحاب الحالات الإنسانية لأجل غير مسمى. مشهد الوداع.. حنين وشوق للديار المقدسة مشهد وداع الحجاج في نقاط تجمعهم تمهيدًا لانطلاقهم إلى معبر رفح يختصر حكاية شوقهم لبيت اللّه الحرام، لا سيما في ظل الحصار المفروض على غزة منذ سنوات، وتشديد إغلاق المعبر الحدودي مع العالم الخارجي. وانشغل العديد من الحجاج في مقاعدهم بقراءة القرآن الكريم خلال فترات انتظار السلطات المصرية للحافلات بالدخول إلى الجانب المصري من المعبر. وقال الحاج محمد أحمد: “بعد معاناة وانتظار طويلين امتدا لسنوات نخرج اليوم لأداء مناسك الحج، هذا بحد ذاته يعتبر إنجازًا، ويسعدنا كثيرا”، مضيفا “شعورنا لا يوصف والفرحة كبيرة أن كتب المولى لنا الحج هذا العام، ونتمنى أن تكون طريق السفر ميسرة وسهلة للديار الحجازية”. ومن ناحيتها، عبرت الحاجة ليلى موسى عن لهفتها وشوقها للوصول إلى الديار الحجازية وأداء مناسك الحج، متمنية “كل الخير والنصر للشعب الفلسطيني والجزائري ولبلاد العرب”. وأشارت إلى أنها ماضية للحج رفقة زوجها بعد انتظار دام قرابة ثماني سنوات من التسجيل، قائلة: “كنت أمشي على قدميّ وصحتي جيدة، لكنني اليوم أتحرك على كرسي متحرك، وأسأله تعالى أن يسهل أمورنا ويتقبل منا”. أما الحاج خالد حمدان، 65 عاما، فأوضح أنه زار البلاد الحجازية في آخر مرة له عام 2000 لأداء مناسك الحج، معبرا عن شوقه لزيارتها مرة أخرى، ولفت إلى أنه يصطحب معه في رحلة الحج زوجته، قائلا: “سجلنا للحج قبل سبع سنوات، وأكرمنا المولى اليوم بالسفر لأداء المناسك”. وتابع: “نحن الآن في بداية الطريق، ونسأله أن يسهل أمورنا، ونتمنى الخير لنا وللحجاج ولجميع المسلمين في الأرض”، لافتا إلى أن فلسطين وأهلها وغزة والمقدسات سيكون لها جزء من الدعاء: “إلى جانب من أوصونا بالدعاء وطلبوه منا”. حجاج غزة يؤدون العمرة عن شهداء أدى عدد كبير من حجاج قطاع غزة مناسك العمرة عن أرواح الشهداء الذين ارتقوا نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على الأراضي الفلسطينية، خاصة الأخير على قطاع غزة. وتأتي هذه المبادرة ضمن مشروع “عمرة لكل شهيد” التي أطلقها عدد من الشباب الفلسطيني في قطاع غزة، فيما نُشرت صور فوتوغرافية كثيرة لمواطنين قاموا بتأدية مناسك العمرة عن شهداء، حيث كتبوا أسماء الشهداء أو وضعوا صورهم على ورقة وعرضوها في مكةالمكرمة. ولقيت هذه الفكرة رواجا واستحسانا واسعا لدى حجاج قطاع غزة، الذين أكدوا أن هذه المبادرة تأتي في إطار حملة من الوفاء لدماء الشهداء الذين ارتقوا ظلما وعدوانا نتيجة العدوان الإسرائيلي. وحول هذه المبادرة يقول الزميل الصحفي اكرامي: “نويت أداء العمرة عن الشهيد عامر أبو عيشة الذي استهدفته قوات الاحتلال في مدينة الخليل جنوبالضفة الغربية، وأسأل اللّه تعالى أن تكون ذخرا له وأن يتقبلها ربنا منا له”، وأضاف: “إننا نقوم بأداء العمرة عن الشهداء من باب الوفاء للمجاهدين والشهداء الذين ضحوا بدمائهم وأعمارهم، من أجل أن تحيا الأمة العربية والإسلامية بعزة وكرامة”. ولم تتوقف المبادرة على حجاج قطاع غزة فحسب؛ بل إن حجاج عرب آخرين قاموا هم كذلك بتأدية مناسك العمرة عن شهداء فلسطين، وهذا حسب ما وردني من الحجاج الفلسطينيين الذين تواصلت معهم. حجاج غزة.. آمال بتسهيل السفر دون عقبات “فرحتي كبيرة لا تُوصف فهذه أمنية العمر” بهذه الكلمات عبرَّت المواطنة هنية الحرازين في العقد الخامس من عمرها عن استعداداتها للتوجه لأداء مناسك الحج لهذا العام، أما مها سعد الصيفي، 30 عاما، فقالت: “الحمد للمولى الذي أكرمنا هذا العام بالتوجه للديار الحجازية من أجل أداء مناسك الحج، ونسأله تعالى أن يسهل لنا الأمور وييسر السفر وأن يكون سفرا مباركا”. وأضافت: “كلنا أمل بالسلطات المصرية لتسهيل الأمور والمعاملات وإبداء التعاون، لأننا خارجون لأداء عبادة وليس لغرض آخر، وهذه العبادة تجمعنا وتجمعهم وتجمع المسلمين جميعا”، معبرة عن أمنياتها بتفريج كروب سكان غزة المحاصرين والعودة لهم بسلام. ووصل حجاج غزة إلى مطار جدة بالمملكة العربية السعودية، فيما حجاج الضفة الغربية سيخرجون على فوجين، وجميعهم سيصل برًا عبر الأردن وسيغادرون إلى الأردن من خلال معبر الكرامة، على أن يصلوا الحدود الأردنية السعودية خلال ساعات الليل. وكيل وزارة الأوقاف والشئون الدينية الدكتور حسن الصيفي ل”الخبر” “حجّاج غزّة مطالبون بأن يكونوا سفراء للقضية العادلة” هل كان للتنسيق بينكم وبين الجانب المصري دورا في تسهيل سفر الحجاج من غزة عبر معبر رفح؟ الجانب المصري سهّل كل الإجراءات بشكل كامل، وتواصلت مع القنصل الفلسطيني نداء البرغوثي التي بدورها طمأنتني أن جميع الجوازات تم التأشير عليها. وطلبنا منهم بذل جهد إضافي لتسريع عملية إيصال الجوازات لتفادي حدوث إرباك بجدول الطيران، والجميع متعاون، خاصة الأشقاء المصريين، ولولا الجهد المصري الاستثنائي لكان موسم الحج في خطر. كم عدد حجاج غزة خاصة وفلسطين عامة؟ إجمالي حجاج فلسطين 6000 حاج، منهم 3 آلاف حاج من غزة، ومنهم 2400 حاج مُسجل عادي، والآخرون أصحاب “المكرمة الملكية” وبعثات إدارية وإعلامية. وغادر حجاج القطاع على ثلاث دفعات، وقامت 3 طائرات بنقل الحجاج إلى مطار جدة على مدار ثلاثة أيام وبين كل رحلة والأخرى نصف ساعة، في كل رحلة 266 حاج. ما هو مسار الحجيج للوصول إلى البلاد الحجازية؟ مسار الحجاج ينطلق من معبر رفح لمطار القاهرة برا، ثم لمطار جدة الدولي جوا، ومنه يصعدون حافلات لمكة لأداء العمرة والمناسك، ثم سينتقلون للمدينة المنورة. والأمور مُيسرة إن شاء المولى، ولا عقبات حتى الآن. فقط ما واجهناه من صعوبات هو في نظام التأشيرة الإلكتروني. بماذا نصحتم حجاج القطاع؟ دعونا حجاج القطاع ليكونوا سفراء لوطنهم، وأن يظهروا المشهد الحضاري والطيب عن فلسطين وأهلها، وأتمنى لهم السلامة. ومن المقرر أن يعود حجاج قطاع غزة في الخامس من أكتوبر القادم. دموعٌ على الشهداء وشوقٌ لأقدس الديار القضية الفلسطينية تحظى بتعاطف حجاج العالم اختلطت دموع فرح الحاجة علياء، 50 عاما، بدموع الحزن حين علمت بأن اسمها ضمن أسماء دفعة الحج هذا العام. الحاجة علياء من سكان بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة والدة لشهيدين هما محمد 15 عاماً استشهد بعد اجتياح للبلدة، وإخلاص 10 أعوام استشهدت في العدوان الأخير على القطاع بعد إصابتها بشظايا في جميع أنحاء جسدها بعد قصف بيت مجاور لهم. وتجلس الحاجة علياء بجوار زوجها في صالة المغادرة في معبر رفح، فيما لاحظت أن دموعها لا تفارق عينيها وهي تستذكر ابنتها الشهيدة التي لم يجف دمها بعد، متمنية أن يتقبل اللّه فلذتي كبدها ويرحمهما عازمة على أداء مناسك العمرة هي وزوجها عن أرواحهما إن وصلت الديار الحجازية. وأصدر خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، أمرًا باستضافة 1000 فلسطيني من ذوي الشهداء الفلسطينيين، لأداء فريضة الحج لهذا العام، وأوضح وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، صالح آل الشيخ: “الشعب الفلسطيني يستحق من إخوانه في المملكة كل التقدير، وتستوجب مكانة المملكة الرائدة في خدمة الإسلام أن يكون لها أثرٌ بارز تجاههم”. أما الحاجة حميدة أبو سياف فوجدناها تتجول في المعبر علها تجد اسما لشهيد قضى في العدوان الأخير على القطاع لتؤدي العمرة عن روحه، وتقول: “خرجت اليوم ضمن أسماء المكرمة الملكية، وسأحج هذا العام عن زوجي الشهيد صائب، وأتمنى أن أجد من أستطيع أن أعتمر عنه من شهداء العدوان على غزة”. وتعرب الحاجة حميدة، خلال حديثنا معها، عن امتنانها لخادم الحرمين الشريفين على ما قدمه لذوي الشهداء، مشيرةً إلى أنه من واجب الأمة العربية والإسلامية أن تحتضن الشعب الفلسطيني كونه يدافع عن حقوقهم جميعا، وتضيف “سأدعو اللّه هناك أن يتقبل شهداءنا ويشفي جرحانا ويفك قيد أسرانا ويرفع الظلم والحصار عنا”. ولم تغب القضية الفلسطينية عن وجدان حجاج بيت اللّه الحرام في مكةالمكرمة، واكتسبت تعاطفًا عربيًا وإسلاميًا كبيرًا، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وتدنيس المسجد الأقصى مؤخرا. وتواصلت “الخبر” مع الحجيج والمسؤولين الفلسطينيين في الديار الحجازية، ووقفت على التعاطف الإسلامي والعربي في البلاد المقدسة فقالوا: “إن كل الذين قابلناهم من جنسيات مختلفة تهلج ألسنتهم بالدعاء الخالص للّه عز وجل بأن يخلص فلسطين من بطش الاحتلال، وأن يحمي المسجد الأقصى المبارك من التغولات التهويدية”، وأعربوا عن تمنياتهم بأن يأتي العام المقبل، وقد تحررت الأرض الفلسطينية من دنس المحتلين، وأن ينعم أشقاؤهم بفلسطين بالأمن والأمان. وقال أحد الحجاج: “أنا شعرت أن العالم جميعا متشوق إلى أن يسمع أخبار أهل غزة المحاصرين الذي لم يخرج منهم أحد لهذا العام للعمرة، وهذه أول رحلة بعد فترة طويلة يخرج أهلنا من غزة إلى المملكة العربية السعودية لأداء هذه الفريضة”.