ناقش، أول أمس، مجموعة من أساتذة الفن والمسرح، على هامش المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بالمدية، مكانة ”موليير” رائد المسرح الكوميدي على خشبة المسرح العربي. ونشط الندوة عبد الكريم غريبي من جامعة مستغانم والدكتور عمرو دوارة من جمهورية مصر وحبيب سوالمي أستاذ بجامعة تلمسان. بداية الندوة كانت بمداخلة جريئة وجديدة للأستاذ عبد الكريم غريبي الذي عنون محاضرته ب«هل كان موليير كاتبا مسرحيا؟”، عنوان صادم جعل كل المتتبعين للندوة يركزون على كل كبيرة وصغيرة نطق بها المحاضر الذي اعتبر في البداية أن مداخلته تعد دراسة استقصائية مطولة غاص فيها في جانب مبهم من سيرة موليير، كاشفا أنه اشتهر بكونه كاتبا مسرحيا وروائيا وهو أب اللغة الفرنسية الراقية، بالإضافة إلى كونه رئيس أهم فرقة مسرحية في فرنسا، متسائلا هل يعتبر حقا شخصا واحدا يمكن أن يرتقي بكل هذه الأدوار؟ أم هناك جانب مبهم في سيرته؟ حيث أكد الأستاذ عبد الكريم أن هناك مفارقات عجيبة في مسرحيات موليير تستدعي الريبة إذا تمت مقارنتها ومقاربتها بما هو موجود في نصوص المسرحي الكبير ”كورناي”. وكشف المتدخل أن موليير مر بمرحلتين في تاريخه المسرحي، مرحلة الركاكة في الكتابة ومرحلة الإبداع والرقي، معتبرا أن المرحلة الثانية تزامنت مع عيشه، أي موليير، في نفس الحي الذي يقطن فيه كورناي، وأن هذا الأخير ”أعار قلمه وأفكاره الإبداعيه إن لم نقل باعها لموليير”، كونه يتميز بالكتابة في مجال ”التراجيدي”، معللا استنتاجه بعدم عثور الباحثين عن أي مخطوط أو كتابة بخط يد موليير، ويقول إن الباحثين كشفوا أن السجل المالي للفرقة المسرحية أظهر حصول موليير على حصتين ماليتين خاصة بكتابة النص، وهو ما يترك استفهامات كثيرة عن الحصة المالية اللغز. واعتبر المتدخل في ختام محاضرته أن لقاء عبقريتين موليير وكورناي يشكّل شكلا متكاملا، باعتبار الأول متميزا بقدرته الخارقة في المواقف المسرحية والركحية والثاني مبدعا في الكتابة والتعبير، ما خلق لنا مسرحا راقيا وأيقونة ستبقى راسخة ومتجذرة لدى هواة الفن الرابع.
الدكتور عمرو دوارة يلخص رحلة موليير على ركح المسرح العربي تدخل ضيف الجزائر وضيف المهرجان، الدكتور عمرو دوارة، من مصر معنونا محاضرته ب”موليير رائد الكوميديا العربية.. التجربة المصرية نموذجا”، تطرق فيها إلى البدايات الأولى للمسرح العربي وتأثرها الكبير بمسرح موليير الذي نهلت منه كوميديا الموقف ورقي اللغة، بالإضافة إلى شخصنة الأحداث وتحويل البطل إلى محل سخرية وتنكيت، وكذا النقد البناء للأحداث، كاشفا عن وجود واحد وعشرين نصا مسرحيا لموليير مترجما إلى العربية، معتبرا أن موليير من خلال مسرحياته عالج الجزء المغلق في نفسية كل فرد، المتمثل في الأنا الخفي في كل واحد منا، معتبرا أن هذه المعالجة تنم عن ذكاء خارق ومهارة عالية، ليعرج الدكتور على أول اقتباس قام به المخرج ”مارون النقاش” لمسرحية ”البخيل” وهي طفرة في المسرح العربي، كشفت أن العرب يستمتعون بالمسرحيات الغنائية، ليأتي بعده الأستاذ وسيم النقاش الذي حذا حذو عمه في اقتباس مسرحية ”البخيل” وعدد من المسرحيات الأخرى، وبعده يعقوب صنوع وجورج الأبيض، وصولا إلى مسرحيات مقتبسة قدمها المسرح القومي المصري.
تابعونا على صفحة "الخبر" في "غوغل+"
وفي ختام المداخلة، اعتبر الدكتور عمرو دوارة أن موليير أثر بشكل كبير في المسرح العربي، ومازالت مسرحياته تورث جيلا بعد جيل لدى المخرجين، كونها مازلت تحاكي الواقع العربي وتشخصه في أدق التفاصيل. حبيب سوالمي.. موليير أثّر في المسرح الجزائري في السياق ذاته، تطرق الأستاذ حبيب سوالمي من جامعة تلمسان، في مداخلته، إلى تأثير موليير في المسرح الجزائري، من خلال ثلاثة نماذج لمسرحيات مقتبسة هي مسرحية ”جحا” لعبد القادر علولة ومسرحية ”طرطوف” لجمعية هاوية من ولاية سيدي بلعباس ومسرحية ”برلمان رقية” لجدي قدور. وكشف سوالمي أن لمسرح موليير خمسة خصائص ركز عليها المقتبسون الجزائريون وهي الكوميديا الاجتماعية التي تحول البطل إلى محل سخرية وكذا اللغة الراقية، بالإضافة إلى الكوميديا الراقية التي لا تستعمل الضحك فقط بل تحرك العقل فيما يسمى الضحك الفكري، والميزة الرابعة هي المقاربة الدرامية من خلال التأثير في المتلقي والخامسة هي النقد البناء. وانتقل المتدخل لتشريح النماذج الثلاثة، معتبرا أن مسرحية ”جحا” لعبد القادر علولة مقتبسة عن مسرحية موليير ”طبيب رغم أنفه”، وقال إن علولة استعمل لغة عامية دارجة لطبيعة المجتمع آنذاك ولم تكن تستهويه الفصحى، بينما اعتبر مسرحية ”طرطوف” جزءا من المسرحية الأم التي تحمل نفس الاسم، غير أن المخرج غير دور القس بدور الإمام نظرا لطبيعة ديانة المجتمع الجزائري، في حين اعتبر مسرحية ”برلمان رقية” أخذت من موليير السخرية من البطل وهي أهم خاصية يتحلى بها مسرح موليير.
وقد اعتبر الأستاذ بن خلاف بعد فتح النقاش أن مسرحية ”جحا” ليست مقتبسة عن مسرحية موليير، بل هي قائمة بذاتها، حسبما أكده مخرجها في أحد كتبه، كما اعتبر جل المتدخلين أن جدلية موليير وكورناي تبقى محل دراسات، وأن موليير يبقى أيقونة ومبدع عصره وملهم هواة أب الفنون قديما وحديثا ومستقبلا.