لا تزال القوى الليبية الساعية إلى تشكيل حكومة وحدة تتأرجح بين مد وجزر، في ظل ضغط إقليمي ودولي، واعتراضات طالت التشكيلة المرجح أن يعاد الإعلان عنها، التي قد تضم ما بين 11 إلى 17 حقيبة وزارية، وهذا رغم الوصاية والإشراف الأممي. يتضح بأن عودة القوى الليبية للمشاورات مؤشر على ضيق هامش حركتهم، حتى قبل تشكيل الحكومة وبداية مهامها، في وقت تظهر هذه الأخيرة وكأنها ستشكّل غطاء ل “شرعنة” تدخل عسكري يراد من خلاله محاربة تنظيم داعش، وإن كانت مراميه تتعدى ذلك إلى إعادة هندسة منطقة إستراتيجية للمصالح الغربية. وبعد الاعتراضات والتحفظات التي طالت تشكيلة حكومة الوحدة التي ضمت 32 حقيبة وزارية، تعود الأطراف الليبية الفاعلة إلى طاولة المشاورات من جديد، في مؤشر يدل على عدم كسب رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لرهان تحقيق إجماع وطني، لاسيما وأن هذه الحكومة أريد لها أن تتوسع لكافة الأطراف والقوى السياسية، إلا أنها لقيت اعتراضا من قبل مجلس نواب طبرق، وحتى أعضاء من برلمان طرابلس، ومن قوى مسلحة وميليشيات تبقى رقما صعبا في المعادلة الليبية الجديدة. ومن بين المؤشرات الدالة على صعوبة مهمة الحكومة الجديدة، التوجه المستجد لإعادة توزيع بعض الحقائب الوزارية وإمكانية عودة اللواء خليفة حفتر الى الواجهة، مع تقاسم مهام الدفاع، بعد إزاحته بطريقة غير مباشرة من الترتيبات الأولى المشكلة للحكومة، واختيار على رأس وزارة الدفاع البرغثي الذي أظهر تباينا في المواقف مع قائده السابق حفتر. في المقابل، أدى اجتماع السراج بحفتر إلى نشوب خلافات مع الأعضاء المقاطعين سابقا، وهم كل من عمر الأسود وصالح المخزوم ومحمد العماري وعبد السلام كجمان.
ورغم مساعي تشكيل حكومة وحدة، إلا أن الانقسام السياسي والعسكري يظل قائما في ليبيا، وهو يوفر مناخا مناسبا لتدعيم مواقع تنظيم داعش والإبقاء على سطوة التنظيمات المسلحة والميليشيات، التي دعم بعضها الحكومة، فيما اعترضت عليه أخرى. وفي ظل انعدام قوة عسكرية وأمنية للحكومة، فإنها ستظل بصورة أو بأخرى رهينة القوى العسكرية المتواجدة في الميدان، التي تظل متنافسة، سواء على مستوى قوى فجر ليبيا ومصراتة من جهة، وما يعرف بالجيش الوطني الليبي، وهيئة الأركان الممثلة لبرلمان طبرق من جهة أخرى. وهذا الواقع الذي يرسخ نموذج الدولة الفاشلة في ليبيا، هو الذي يدفع إلى تشكيل تحالف عسكري إقليمي لمواجهة قوات داعش في ليبيا. وإذا كانت البلدان الغربية من الولاياتالمتحدة وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا معنية مباشرة بالعملية، فإن أطرافا إقليمية تظل أيضا معنية بطرق مختلفة، بداية بمصر والجزائر وتونس، ولكن أيضا قطر وتركيا والإمارات التي تمتلك أوراقا في الملف الليبي، وتبقى الأطراف المؤثرة بحاجة إلى غطاء شرعي سياسي.
على صعيد ذي صلة، قال وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، أمس، إن “الولاياتالمتحدة تراقب الأحداث الجارية في ليبيا عن كثب”، ولفت في تصريحات أثناء زيارته للقاعدة الجوية نيليس في ولاية نيفادا الأمريكية، إلى أن “تنظيم داعش يسعى إلى كسب موطئ قدم بليبيا في ضوء البيئة السياسية المضطربة هناك، فقد تمكن التنظيم الإرهابي من الاستيلاء على قطعة أرض يقوم من خلالها بترويع المواطنين ويدبر مخططات إرهابية، وهو ما تحاول الولاياتالمتحدة تفاديه”. وأوضح وزير الدفاع الأمريكي، أن الولاياتالمتحدة أبدت استعدادها للتعاون مع دول أخرى لمساعدة الليبيين لضمان أمن بلادهم، وقال كارتر إن “إيطاليا أعلنت اعتزامها اتخاذ زمام المبادرة، وهو ما ترحب به الولاياتالمتحدة”، مشددا على ضرورة العمل على المسار السياسي.