من الحالات التي تفسد تفكير الناس وتبلد عقولهم التي وقف عندها القرآن الكريم طويلاً سيطرة التبعية للسادة المتحكمين والكبراء المتغلبين والظلمة المتجبرين والأثرياء المتنفذين على الناس؛ لأنهم يزينون لهم الباطل فيوافقونهم عليه، ويدعونهم للضلال فيتبعونهم عليه، ويأمرونهم بالشر فيسبقونهم إليه.. كما هو مشاهد مع الديكتاتوريات الحديثة ومسخها للشعوب وحطها من كرامتها. قال الله عز مِن قائل: {يَوْمَ تُقَلبُ وُجُوهُهُمْ فِي النارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرسُولَا * وَقَالُوا رَبنَا إِنا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلونَا السبِيلَا * رَبنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}. ومن يقول هذا القول هم مَن عطلوا عقولهم وباعوا أنفسهم للسادات والكبراء، وتبعوهم في ضلالهم، وأعانوهم على ظلمهم، ولم يفكروا في صحة كل ذلك غرورًا وطمعًا. والحقيقة أن الجماهير في الغالب تخضع للسادات والكبراء المتغلبين، فيصير الحق ما وافق أهواء سادتهم والصواب ما رضي به كبراؤهم. وهذه الحال العجيبة قديمة في الإنسانية، فقد قال الله عز وجل على لسان نوح عليه السلام: {قَالَ نُوحٌ رَب إِنهُمْ عَصَوْنِي وَاتبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا}، وقال عن عاد قوم هود عليه السلام: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتبَعُوا أَمْرَ كُل جَبارٍ عَنِيد}، وقال عن فرعون وقومه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}. فالتبعية للسادة والخضوع للكبراء هو الذي حجب هذه الأقوام وغيرها عن التفكر في الآيات البينات والبراهين القاطعات، فعطلوا عقولهم، وأفسدوا حياتهم، وضلوا سواء السبيل بفاسد التفكير!