تفجرّت صراعات لا حصر لها بين قطبي الموالاة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على رئاسة المجالس المحلية المنتخبة التي فاز الحزبان بأغلبية مقاعدها في الانتخابات المنصرمة. ويعمل كل حزب على منع الآخر من تولي قيادة المجالس الولائية خاصة، حتى ولو استدعى ذلك التحالف مع أحزاب توجهاتها ضد الرئيس بوتفليقة! على الرغم من أنهما حليفان طبيعيان في الموالاة، إلا أن الأفالان والأرندي أصبحا "يتقاتلان" في العديد من الولايات، على الفوز برئاسة المجالس الولائية والمحلية، متجاوزين في ذلك كل ما يفترض أنه يجمعهما كحزبين يشكلان العمود الفقري للأغلبية الرئاسية، في مشهد يطرح الكثير من التساؤلات، حول طبيعة العلاقة بينهما ومستقبلها، في ظل ما ينتظر البلاد من مواعيد انتخابية هامة، لاسيما الانتخابات الرئاسية المنتظرة في 2019. ومن الأمثلة الصارخة على حالة التنافر الشديد، ما جرى على مستوى المجلس الولائي للعاصمة الذي تحالفت فيه الأفالان مع جبهة القوى الاشتراكية وجبهة المستقبل وتجمع أمل الجزائر "تاج" ضد التجمع الوطني الديمقراطي، وهو التحالف الذي وصف بأنه "غير طبيعي"، بعد أن اجتمع فيه الأفالان مع الأفافاس، الحزب المعارض للسلطة ولبرنامج الرئيس بوتفليقة، في عاصمة البلاد التي لها رمزية خاصة ويكتسي فيها التحالف طابعا سياسيا. وسار الأفالان على هذا النحو في كل الولايات الأخرى، من أجل الإطاحة بالأرندي، ففي الأغواط مثلا، تحالف الأفالان مع حركة مجتمع السلم وجبهة المستقبل، على الرغم من أن الأرندي يمتلك الأغلبية ب11 مقعدا. ولحدّ الساعة، يتحدث الأفالان عن فوزه برئاسة نحو 30 ولاية عبر هذه التحالفات التي أقامها. ووصل الحد في بعض الولايات إلى حد الاشتباك اللفظي، كما حدث أثناء عملية التصويت في تيبازة. بدوره، أقام الأرندي تحالفاته الخاصة من أجل مواجهة سطوة الأفالان على المجالس الولائية، ففي ولاية البويرة، يحضر حزب الوزير الأول للتحالف مع تاج والأفافاس للفوز برئاسة المجلس الولائي على حساب الحزب العتيد. وفي ولاية الشلف، تفجر غضب الأفالان والجبهة الشعبية الجزائرية (الأمبيا) على الأرندي الذي فضل التحالف مع حمس وجبهة المستقبل، على حسابهما. وكتب الحزبان في بيان لهما متسائلين: "كيف لحزب الأرندي الذي يتبنى برنامج فخامة رئيس الجمهورية وطنيا ويعارضه ممارسة محليا؟". ووجد الأرندي في بعض الأحزاب المعارضة، سندا له في مواجهة الأفالان، على الرغم من أن خطاب أمينه العام، أحمد أويحيى، حاد جدا ضد هذه الأحزاب منذ عودته لتولي الوزارة الأولى. وتعكس هذه التحالفات المخالفة للمنطق السياسي، وجود أزمة بين حزبي السلطة الأفالان والأرندي اللذين أصبحا يتصرفان كالأعداء كلما وضعا في موضع تنافس حقيقي على المستوى المحلي، فيما يبقى التحالف الظاهر موجودا فقط على مستوى المجلس الشعبي الوطني الذي يصوّت فيه الحزبان على ما تطرحه الحكومة من مشاريع، لأن الأمر يتعلق، وفق الأفالان الذي لم يهضم إلى اليوم تعيين أويحيى على رأس الوزارة الأولى، بمشاريع الرئيس بوتفليقة الذي هو رئيس الحزب. وينذر هذا التوتر المستمر بين الحزبين، بقطيعة مستقبلية في حال لم يطرح النظام مرشحا توافقيا بين الحزبين في رئاسيات 2019، وفتح المجال للوزير الأول ليكون مرشحا رئاسيا عن حزبه في هذا الموعد الذي بدأ الجميع يرقبه من الآن. ويحيل هذا التنافس الشديد بين الأفالان والأرندي على رئاسة المجالس المحلية، إلى انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة في ديسمبر 2019، كون الفوز بأكبر عدد من المقاعد، يسمح بالتموقع والتأثير في هذه الانتخابات، وبالتالي السيطرة على مجلس الأمة باعتباره المؤسسة الوحيدة التي لم يستطع الأفالان اكتساحها على الرغم من فوزه الدائم منذ 2002 بالانتخابات المحلية. ويعد منصب رئيس مجلس الأمة الذي يحوزه الأرندي في شخص عبد القادر بن صالح، مسيلا للعاب، كونه يمثل بروتوكوليا المنصب الثاني في الدولة، وهو الذي تؤول إليه الرئاسة في حالة شغور منصب الرئيس.