لم تكد سنة 2018 تعبر شهرها الثاني حتى انطفأت شمعة أخرى من مجموعة ال 22 التاريخية برحيل المجاهد مصطفى بن عودة الشهير باسم " السي عمار" ، تلك الشموع التي أوقدت الأمل في الجزائر وأضاءت دروب الحرية والانتصار. عن عمر ناهز ال 93 ربيعا جلها كانت بذلا في سبيل الوطن وحريته، غادر بن عودة الحياة وبجعبته رصيد حافل بالكفاح والجهاد في سبيل الوطن، هو ابن عنابة ، التي تفتحت عيناه فيها في 27 سبتمبر 1925 على الحياة ، وعلى واقع مرير لوطن يئن تحت وطأة الاحتلال. ومنذ أيام الصبا تفتحت عيناه أيضا على مجرى الحق الذي ينبغي أن يسلكه، فكان سباقا منذ طفولته إلى درب الكفاح والجهاد من أجل شعب انتهكت كرامته واستلبت حريته. ولا عجب أن يذوق ويلات السجن في أول شبابه بعد انخراطه في الحركة الكشفية، إذ تم القبض عليه رفقة مناضلين آخرين وحكم عليه مدة عامين و60 ألف فرنك فرنسي كغرامة وخمس سنوات كمنع للإقامة. خرج بن عودة من ظلمات الزنزانة ليواصل طريقه إلى النور، وانخرط في حزب الشعب مصرا على نضاله إلى أن تم اعتقاله مرة أخرى سنة 1950، أين عاش في مدرسة يوسف 13 شهرا أخرى بعد عملية تبسة ، لكنه تمكن من فك أغلال السجن سنة 1951، فهرب برفقة زيغود يوسف وعبد الباقي بخوش وسليمان بركات. والتحق السي عمار ب "اللجنة الثورية للوحدة والعمل" إلى جانب زيغود يوسف وديدوش مراد، هذه اللجنة التي أنشئت لتجاوز الأزمة التي كانت يعاني منها حزب الشعب ولكنها لم تلبث أن فشلت ، فسعى كل من ديدوش مراد، زيغود يوسف، ومعهم مصطفى بن عودة إلى المشاركة في بلورة فكرة اندلاع الثورة. وكان الفقيد من بين المشاركين في اجتماع ال 22 ، ومن المساهمين في صياغة بيان أول نوفمبر مستعينا برفاق من المنظمة السرية، كما كانت له اليد الطولى في عدة عمليات ضد قوات الاحتلال الفرنسي كهجوم 20 أوت 1955 الذي كان له كبير الأثر والصدى على الاستعمار والشعب الجزائري على حد سواء. ولم يغب بن عودة عن مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 الذي طالما اعتبره بمثابة بيان أول نوفمبر ثان ،وواصل الفقيد نضاله في كل من لبنانوتونس ،و في هذه الأخيرة أصبح مسؤولا عن التسليح والاتصالات العامة ثم شارك مع الوفد الثاني لاتفاقيات إيفيان وعين كممثل لجيش التحرير الوطني. وبعد الاستقلال ، عاد بن عودة برفقة هواري بومدين إلى أرض الوطن المحرر ، ليُكلف بمهمة إلى باريس كملحق عسكري، كما تقلد منصب ملحق عسكري في القاهرة، باريس ثم تونس، وبعدها سفيرا في ليبيا سنة 1979. ومنذ المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني شغل منصب رئيس لجنة الانضباط بالحزب وأخيرا منصب رئيس مجلس الاستحقاق الوطني أثناء فترة الرئيس الشاذلي بن جديد. صارع بن عودة الاحتلال والظلم وانتصر عليه ، وعاد إلى الوطن وتنعم بحريته ، وصارع المرض أيضا لكنه هذه المرة أذعن لسنة الحياة، وترجل عن صهوتها بكل طواعية واختار جوار ربه في الخامس من فيفري 2018.