تحوّلت المستشفيات، في الأيام الأخيرة، إلى مسرح لاستعراض أوجاع المرضى وإطلاق آهاتهم، بعد أن سدت في وجوهم أبواب المصالح وقاعات العلاج، لأن الأطباء المقيمين في إضراب ليُكشف وسط رحلة تسول العلاج عن واقع مرير بقطاع الصحة أقل ما يقال عنه إنه مؤلم، مفاده أن مستشفياتنا قائمة على استغلال مفضوح لطلبة الطب قصدوها للتكوين ووجدوا أنفسهم أمام حتمية التكفل بالمرضى. وجهتنا كانت مستشفى مصطفى باشا كونه يستقبل يوميا مرضى من 48 ولاية، وفي طريقنا نحو أقسام العلاج وخاصّة الاستعجالية منها التي تسجل أكبر إقبال للمرضى، التقينا بحالات متعددة ومختلفة، منها شاب في الثلاثينات من العمر قدم من ولاية الأغواط رفقة والدته وزوجته وابنته وكان المريض منهم هو الابنة، التي قال إنها عانت من ورم على مستوى عينها، لم يتمكن الأطباء بالولاية من تشخيص حالتها فنصحه أحد الأصدقاء بمصلحة طب العيون في مستشفى مصطفى باشا، وبعد زيارة سابقة للمصلحة تبين أن الورم يمكن علاجه بالأدوية، على أن تكون هناك مراقبة دورية لأن الأدوية تتغير من فترة لأخرى، وبدأت الحالة تتحسن في البداية، فعاد بابنته إلى نفس المصلحة أول أمس، إلا أنه تفاجأ بالإضراب الذي أدّى إلى تغيير المواعيد، ورغم محاولاته للتأكيد للفريق الطبي عن بعد المسافة إلا أن كل توسلاته باءت بالفشل، بالنظر إلى الموقف الذي اتخذه الأطباء المقيمون في الإبقاء على الحد الأدنى للخدمات فقط، وأضاف محدثنا أنه التحق بمصلحة الأمراض الصدرية بعدها لعرض والدته على أخصائي به من أجل استغلال قدومهم من ولاية بعيدة، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، فوجد نفسه مضطرا للعودة دون تحقيق غايته في علاج ابنته أو والدته. مريض آخر من بلدية سويدانية بالعاصمة قصد مركز بيار ماري كوري، تبين أنه مصاب بسرطان البروستات في مراحله الأولى، ونصحه الطبيب المعاين بالإسراع في بدء العلاج، يقول إنه منذ أسبوع وهو يرتاد على المصلحة دون جدوى، وكل واحد من العاملين بهذا الأخير يخبره أن هناك حالات متقدمة في المرض وكان مصيرها التأجيل، لأن الأطباء المقيمين المكلفين بمساعدة الأطباء يرفضون العمل نهارا ويتمسكون بالحد الأدنى للخدمة. مريضة أخرى صادفناها أمس ونحن نتنقل بين مصالح المستشفى، أخبرتنا أنها جاءت من مدينة بوفاريك بولاية البليدة وتفاجأت بإبلاغها عن غياب الأطباء لمعاينتها، ولم يسمحوا لها حتى بالاستفسار عن مواعيد جديدة، اكتفوا خلالها بالقول لها "عودي الأسبوع المقبل". أما المصالح وأقسام الاستعجالات فحدث ولا حرج، مرضى يتألمون وقاعات خاوية على عروشها وبينهما مرضى، هناك من استسلم للواقع وعاد أدراجه، وهناك من لم يتحمل الواقع فأطلق وابل الشتائم التي شملت الأطباء والمسؤولين على حد سواء، لأنهما حرما المريض من حقه في العلاج.
الأطباء المقيمون والداخليون: نحن طلبة حولونا إلى عمال.. توسط الأطباء المقيمون والداخليون الساحة المركزية للمستشفى، أين وقفوا مثل عادتهم للإعلان أنهم مضربون، وفي الدردشة التي جمعتنا بهم، نقلنا لهم معاناة المرضى والآثار السلبية التي أسفر عنها احتجاجهم، فردت طبيبة مقيمة بالمكان "لو كان بيدنا لما بلغنا هذا الوضع، ولكن أرادوا تحطيمنا فكان الثمن غاليا وهم جزء من هذا الأخير والمرضى أيضا"، وتحدثت ذات الطبيبة أن أحد أقاربها توفي مؤخرا نتيجة غياب التكفل بسبب الإضراب. وبالعودة إلى الإضراب قال المحتجون إنهم وصلوا إلى مرحلة اللاعودة خاصة مع سياسة مواجهة تحركاتهم في كل مرة بقوات الأمن وأحداث يوم الاثنين أكبر دليل، ورد طبيب مقيم آخر بتأكيده أن حمل المئزر في حد ذاته أصبح جريمة، "فهل يعقل العودة للعمل وسط كل هذه التهديدات؟" وهو ما تحدث عنه الأطباء الداخليون أيضا، والمضربون جميعا أكدوا أنهم في النهاية طلبة يفترض أن يكون 90 بالمئة من تواجدهم بالمستشفيات هدفه التكوين، إلا أن ما يحدث حاليا هو العكس، وإضرابهم كشف الأمور على حقيقتها وهي أن قطاع الصحة يسجل استغلالا مفضوحا للكفاءات، حسبهم.