العلاج المباشر للربو يكلف الدولة 200 مليار سنتيم سنويا نفد المخزون الإستراتيجي لدواء الأزمات الحادة لمرضى الربو في الصيدلية المركزية للمستشفيات، وذلك قبل بداية شهر جوان الماضي· وهو الدواء الذي يعتبر ضروريا للمريض حتى يبقى على قيد الحياة، إن هو تعرّض لأزمة ربو حادة، علما أن كل أزمة ربو حادة تبدأ بأزمة ربو عادية تتميز بضيق التنفس وصعوبته، قبل أن تتحول من مجرد وعكة إلى أزمة حادة، قد تودي بحياة المريض إن لم يخضع لعلاج مكثف وعلى مدار أيام، وربما أسابيع وأشهر بدواء ”السالبوتامول” المفقود حاليا في كل مستشفيات الجزائر دون استثناء· مستورد الدواء خارج مجال التغطية كشفت مصادر عليمة بخبايا عالم الدواء في الجزائر، ولوبياته التي أضحت تتحكم في أرواح الجزائريين وصحتهم، أن المستورد الذي تعاقدت معه الصيدلية المركزية للمستشفيات بغية تزويدها بالدواء المفقود، لم يف بعهوده ولا أنجز التزاماته·· والأسباب حسب المصادر تعود إلى العجز المالي لدى المركزية، بحيث تعاني من عجز مالي يفوق 20 مليار دج، فيما تنتظر المؤسسة العمومية ذاتها أن تحصل على القيمة المالية ذاتها من المستشفيات التي تزوّدها دوريا بالدواء· وأضافت المصادر بناء على معلومات داخلية، أن سوء التسيير كان وراء رهن صحة المواطنين وأرواح المصابين بداء الربو في أيدي مؤسسات خاصة معينة، اعتادت الثراء دون أن تعير اهتماما للمرضى غير الربح· مما جعل الصيدلية المركزية عاجزة عن توفير الدواء الضروري لمرضى الربو لمدة قاربت ستّة أشهر دون انقطاع· ”اللي يحبّو ربّي ما يدخلوش السبيطار”·· جملة تكرّرت على مسامعنا ونحن نجوب إحدى مصالح الاستعجالات· فبإمكان أي شخص أن يرى ويسمع معاناة الجزائريين سواء من المرض في حد ذاته، أو بسبب اللّهث وراء الحصول على علاج يمكنهم من تسكين الألم· هذه الجملة تكررت على مسامعنا، وهي نتيجة حتمية يصل إليها المرضى وذووهم خصوصا أولئك الذين يسوقهم القدر إلى المستشفى، وإلى مصلحة ”الاستعجالات” على وجه الخصوص· بين الحياة والموت أزمة الربو الحادة لا يمكن إيقافها أو التنبؤ بها، وخصوصا في فصل الصيف وفي المناطق التي تعرف نسبة رطوبة عالية والتي تتواجد قبالة البحر، والغبار أيضا بفعل التلوث وخصوصا في المدن الكبرى· هي أسباب لمعاناة يومية للمرضى، وهو ما تكشف عنه الأرقام الرسمية بوجود أزيد من مليون و200 ألف مريض مصاب بمرض الربو المزمن من بينهم خمسة في المائة من الأطفال، فيما سجلت الجزائر حوالي 3 ملايين مصاب بالتهاب جيوب الأنف· المرض الفجائي يدفع بالمريض إلى دخول مصلحة العلاج السريع والمستعجل، ولكن هنا يمكنه أن يشاهد تفاصيل المعاناة بعينيه، وخصوصا مرضى الربو الحاد، الأزمة التي تفاجئه ليلا ونهارا، الذين يعانون من أزمات تنفسية مزمنة وتحتاج إلى عناية وعلاج دوري، ولكن معاناتهم كبيرة جدا، لأن التنفس يبقى أهم شيء يربط الإنسان بالحياة، فماذا لو لم يتمكن الأطباء إسعاف هذا المريض في حالة الأزمة الربوية الحادة بسبب فقدان الدواء ”سالبوتامول” وهو ضروري لبقائه على قيد الحياة· حالات عديدة، واجهت هذه المعضلة، وعبارة ”ماكانش الدواء” كثيرا ما يسمعها المرضى في مصلحة الاستعجالات، ربما هي لهجة حانقة تحدّث عنها أحد الممرضين وهو يسعف مريضا بالربو الحاد في قاعة الاستعجالات بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، أكبر مستشفيات القطر الوطني· لكن السؤال المطروح هنا: هل هذا الدواء مفقود حقيقة؟ اصطدمنا بواقع مرّ، لم نجد من يرد علينا بإجابة صريحة، والأهم في كل هذا، أن هذا الدواء غير موجود في اللحظة والدقيقة والساعة التي يحتاجها المريض· في نهاية الأمر الأهم هو إسعاف المريض وإنقاذ حياته من أزمة ربو حادة، ربما لا يمكننا أن نجد المعلومة الكاملة، التي تفيد بنقص دواء ”سالبوتامول”·· ولكن الحقيقة أن عدّة مصادر من الجهاز الطبي سعت ”البلاد” لاستجوابها حول هذا الموضوع، كشفت فقدانه من صيدلية المصلحة· كما كشفت تلك المصادر أن هذا الدواء ضروري لأي مريض يعاني من أزمة تنفسية تستلزم أجهزة خاصة بالاستنشاق، تحمل جرعات معينة يحددها الطبيب منئسائل هذا الدواء، حيث يعتبر مطهرا موضعيا هدفه غسل تجويف الأنف ويستخدم لعلاج التهاباتئالغشاء المبطّن للبلعوم الأنفي· هنا·· كل آلام المواطنين! لا يختلف اثنان عى أن أي مستشفى يستقبل آهات وأنين الكثير من المرضى يوميا، ففي مصلحة الاستعجالات الطبية تزداد معاناة المرضى وتتضاعف أمام الكمّ الهائل من المرضى الذين تستقبلهم المصلحة يوميا، خصوصا في الليل، وهو ما وقفت عليه ”البلاد” خلال زيارة ليلية دامت ثلاث ساعات، وهو حقيقة واقع مرّ، تعرفه هذه المصلحة وتلك· وقد صرّح أحد الأطباء المقيمين ل”البلاد ”بالقول·· ”هنا يمكن أن تكونوا شهود عيان على كل شيء مرتبط بمعاناة الجزائريين اليومية، فمن جهة مصلحة الاستعجالات، يمكنها أن تجمع مختلف المرضى وعلاجهم بتوفير مختلف الأدوية، ومنهم من قد يتم إرسالهم إلى مصالح أخرى متخصصة· للعلم أن مصلحة الاستعجالات بالمستشفى تستقبل مئات الحالات يوميا في فترة المساء والليل، فالمرضى يجدون ضالّتهم بسبب الأزمات الفجائية، والآلام المستعصية، وأيضا لانعدام وجود عيادات ليلية خاصة، فتكون المصلحة الملجأ الوحيد لهم وهي الاستعجالات· هي قاعات مختلفة، فيها قاعات العلاج العام، وقاعات التطبيب الموضعي، وقاعة خاصة بمرضى الربو·· تصوروا أن يلجأ أكثر من أربعة مرضى بأزمة ربو حادة مرة واحدة، كيف سيكون مصيرهم والمرضى الأربعة لديهم نفس المشكلة التنفسية والحاجة إلى علاج موضعي مباشر وسريع؟ السؤال يبقى مطروحا·· ولم تجد”البلاد” الإجابة عنه حتى عن طريق محاولات حثيثة مع بعض الأطباء والممرضين الذين تحاشوا الحديث في الموضوع، ومن بينهم من كانت له حجّة أنهم أطباء مقيمون، وواجهوا العديد من المشاكل بعد إضرابهم الذي استمر لأزيد من أربعة أشهر· فيما كشف هؤلاء الأطباء المقيمون، أن طلباتهم لم تخل من تحسين ظروف الممارسة المهنية للطبيب، ودعوا وزراة الصحة من أجل تحسين وضعيتهم، بتوفير المواد الطبية والصيدلانية والأدوية اللازمة للعلاج· وبالرجوع إلى ”دواء” سالبوتامول” المفقود من صيدلية المصلحة، ذكر أحد الأطباء·· ”رغم أن الدواء ضروري جدا لحياة المريض، إلا أن طلباتهم لم تتعد توفير الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وخصوصا أمراض الربو التي تخلق مشكلة للمريض، حيث يمكن إغاثة هذا المريض أو ذلك··” يواصل الدكتور الحديث، ”هذا فضلا عن أدوية مرضى القلب، لأنها جد ضرورية··ئفعند صعوبة التنفس لدى المريض، يستعمل هذا الدواء على جرعات، ولكن ماذا لو نفد، وما هو الحل لإنقاذ هذا المريض أو ذاك الذي يعتبر أول دواء ضروري للمريض· حالات مستعصية و قلق دائم الأعصاب تتوتر داخل قاعة العلاج، وخصوصا الأهل وذوي المريض، أحد أولاده يذهب ويرجع بخطوات متثاقلة يروح ويجيء في الرواق وهو يتمتم أحيانا بوجه شاحب وملامح قلقة بادية عليه، يقوم بفرك أصابعه حينا ووضع يده على رأسه أحيانا أخرى، ثم يحاول أن يستطلع وضعية والده، لكن الممرض يرفض أن يعطيه أدق التفاصيل، يسمعه يتحدث إلى إحدى زميلاته بالقول ”ماكانش الدواء، ابحثوا في صيدلية المصلحة الخاصة بالأمراض التنفسية والحساسية علكم تجدون جرعات، لأن الحالة خطيرة وخطيرة جدا”· طيلة تلك الأمسية وعائلة المريض قلقة جدا على الوالد، بل انفلتت أعصابهم وقلقهم تزايد خصوصا أمام نقص بادٍ لدواء ”سالبوتامول”· الكثير من الأطباء المقيمين، أكدوا ل”البلاد” أن هناك أدوية غير متوفرة في صيدلية مصلحة الاستعجالات، من بينها هذا الدواء الذي يتوفر يوما ويغيب أيام والأسباب تبقى مجهولة· هنا نسمع أحد أبناء المريض يتوسل للممرض، ويقول له ”إفعلوا أي شيء إنه سيموت، لقد عانى كثيرا بسبب أزمة الربو الحادة التي تصيبه؟”· لكن، وللأسف هناك من الممرضين من يبحثون عن هذا الدواء الضروري في مكان آخر غير المستشفى، بينما المريض يعاني من الأزمة، وهي معاناة رهيبة جدا، بينما ابنه يطمئنه على مضض ويوجه التوسلات للممرضين والأطباء لإسعاف والده المرمي على سرير تلك القاعة· نعم، إنها معاناة يومية تعكس العبارة التي ذكرها أحد المواطنين عندما قال ”اللي يحبّو ربّي ما يجيبوش للسبيطار”، فالرواق كان مليئا بالحالات المستعجلة، منظرئتقشعر له الأبدان، وخصوصا عندما يكون إنقاذ المريض في يد أصحاب الزي الأبيض· وفي سياق ذي صلة، ذكرت مصادرنا أن مصلحة الاستعجالات على مستوى المستشفيات بالجزائر العاصمة، تفتقد ل165 دواء من بين 215 دواء، المفترض أن تتوفر عليها كل مصالح الاستعجالات في المستشفيات الجزائرية حيث يحتاجها الأطباء لتقديم العلاجات الاستعجالية للمرضى· وعبّر المصدر ذاته، عن أسفه من هذا النقص الفادح، خصوصا أمام التوافد الكبير للمرضى على مستوى مصالح الاستعجالات والاحتياجات اليومية للمرضى· وفي المقابل، فإن مصلحة الاستعجالات في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، على سبيل المثال، تستقبل يوميا أزيد من 10 آلاف مريض، فيما يتعذّر على الأطباء علاج الكثيرين بسبب انعدام تلك الأدوية، وموازاة مع ذلك تتذمر عائلات المرضى من سوء التكفل الطبي بمرضاهم· الوزارة ترسل لجان تحقيق من جهتها، كشفت مصادر من وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، أن الوصاية أرسلت مفتشين للتحري في هذه القضية، التي تعطّل مصالح المستشفيات وأداء الأطباء في مصالح الاستعجالات خاصة· وبالنسبة لدواء ”سالبوتامول ”، رفضت مصادرنا الكشف عن معلومة فقدانه في مصالح الاستعجالات، فيما كشفت أن وزارة الصحة عملت على توفير 54 نوعا من الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كالحساسية، وكذا ”سيليستان” من نوع الحقن و”تيوفيلين” الخاص بمرضى الربو والقلب، وحبوب منع الحمل مثل ”مارفلون” و”ميكروفال” من بين مجموع 5400 دواء متداول محليا، حيث رصدت 10 ملايير دينار لاستيراد 14 طنا من الأدوية لتغطية الاحتياجات الطبية من الأدوية من سنة ,2011 خصوصا بعد الندرة التي عرفتها سوق الأدوية قبل أشهر· وقد أشارت وزارة الصحة إلى أن فاتورة المواد الصيدلانية، بلغت خلال السنة الماضية 1,6 مليار أورو· وكانت حصة الأدوية من الفاتورة الشاملة للمواد الصيدلانية، مليارا و453 مليون أورو، أي ما يعادل 87 بالمائة· وحصة اللّقاحات 144 مليون أورو 8,6في المائة، وحصة المستلزمات الطبية 37 مليون أورو 2,24 في المائة، والمواد المتعلقة بالتحاليل الطبية 32 مليون أورو، 1,9 بالمائة، والمواد الموجهة إلى طب الأسنان أكثر من مليوني أورو· توقعات بإصابة 80 في المائة من سكان العاصمة بالربو بلغت تكلفة العلاج المباشر لمرضى الربو التي تهتم بها الدولة الجزائرية، على غرار الأمراض المزمنة ما يقارب 200 مليار سنتيم· ويهدد التلوث والرطوبة 80 بالمائة من سكان العاصمة بأمراض مختلفة، مثل أمراض التنفسية والحساسية ومختلف الأمراض التي تصيب الصدر والجيوب الأنفية· وكشفت دراسة متعلقة بأمراض التنفس والأمراض الصدرية، أن 80 في المائة من سكان العاصمة مهددون بهذه الأمراض خلال العشر سنوات المقبلة· وذكر رئيس الجمعية الجزائرية للأمراض الصدرية والسل، البروفيسور سليم نافتي، أنه ما يقارب 30 بالمائة من فئة عمرية تتراوح ما بين35 و55 سنة تعاني من أزمات صحية مرتبطة بمشكلة التنفس، فيما تصل إلى 60 في المائة عند الأكبر سنا· وقد أرجع الأطباء في أمراض الربو والحساسية والمناعة العيادية، انتشار مرض الربو وكذا أمراض الحساسية المختلفة خلال العشرين سنة الأخيرة، بالدرجة الأولى إلى العوامل البيئية المختلفة من تلوث المحيط، ومواد التنظيف وكثرة المصانع و مختلف المواد المسببّة للحساسية، بالإضافة إلى العوامل الوراثية·