"كان عمري لا يتعدى 11 عاما، عندما وقعت أولى خطوات عالم الانحراف وأنا لا أزال طفلة صغيرة. والغريب أن الشخص الذي قادني من يداي نحو جوف ذلك النفق المظلم كانت معلمتي الابتدائية. لا زلت أذكر جيدا كيف اقتربت مني في حصة من الحصص المعتادة وسألتني إن كنت أعاني من مشاكل بعد أن لاحظت انزعاجي، وفي موقف لا زال راسخا في مخيلتي تقدمت مني بهدوء، وبعيدا عن الأعين ناولتني سيجارة." هكذا وجدت الشابة صبرينة التي تعالج من الإدمان، نفسها عالقة في عالم غريب يدعى بعالم "المخدرات الصلبة"، وعلى مدار 10 سنوات كاملة أمضتها رفقة معلمتها تذوقت جميع أنواع المخدرات من "كوكايين" و"هيرويين" و"قنب هندي" ومشروبات كحولية. "الخبر" اقتربت من بعض المدمنين على ما يعرف ب"مخدرات الطبقة الغنية" وجست نبضهم للكشف عن خبايا هذا العالم الوهمي الخطير، الذي يخطف العقول ويدمر أنسجة الخلايا من أجل لحظات نشوة لا أكثر ولا أقل. المعلمة تقود صبرينة لعالم "البيضة" و"الشوشنة" تواصل الشابة الشقراء صاحبة القامة الطويلة وهي تسرد لنا تلك اللحظات قائلة " لما ناولتني معلمتي السيجارة، سحبت نفسا عميقا وتذوقت طعما غريبا جعلني أسعل بشدة، ثم أصبت بدوار وتقيأت." كانت الشابة الشقراء تلف شعرها بمنديل من شاكلة مناديل رعاة البقر الأمريكان، وكانت قليلة الابتسام وبالكاد يرمش لها جفن وينصاع لأوامر الدماغ. كانت عيناها تسبح في كل الاتجاهات، تراقب تحركات محدثها، لا تمر عليها حركة إلا وقرأتها و حللتها. تقول المتحدثة " بدأت العلاقة مع المعلمة تتوطد وأمسيت أبيت في منزلها، لأن الطبقة الاجتماعية التي كنت أنتمي إليها قريبة من طبقتها. كانت تقيم في منزل فردي خاصا، به مسبح ولديها سيارة دفع رباعية. لقد كانت شبيهة ببطلة قصة الحسناء النائمة، إلا أن هذه الأخيرة كانت يقظة و فطنة للغاية". وتتابع " اقتربت من معلمتي، صاحبة 26 ربيعا، أكثر لأن عائلتي كانت نادرا ما تسأل عني، بل كانت عائلة بيولوجية ليس إلا، ودخلت عالمها المحظور من الباب الرئيسي، وأصبحت أنام وأستيقظ على جميع مشاهد الممنوعات، شربتني الخمور واستنشقت "الكوكايين" و "الهيرويين" المعرفتين وسط المدمنين ب "البيضة" و "الشوشنة" و دخنت الحشيش، كنا نبحث إلا عن النشوة والسعادة، وما زاد الطينة بلة توفر المال". لم تفق صبرينة من تخدريها إلا بعد 10 سنوات كاملة، قبل أن تستعيد وعيها، و"بدأت أتهرب وأبتعد عن ذلك العالم، ونجوت بأعجوبة، وأنا اليوم أحاول التناسي بعد علاج طويل. جسمي يتطهر من السموم وخاصة سموم نشوة السعادة، و بدأت أتعرف على نفسي وعلى عالمي وأفقهه، إلا أنني لست نادمة"، تضيف المتحدثة. نشوة .. ثم سجن لا يستفيق المدمنون على المخدرات الصلبة مثلما استفاقت صبرينة، بل ويجد البعض أنفسهم مكبلين بالأغلال ومهددين بالسجن لارتكابهم حماقات وهم تحت مفعول المخدر. وانتهت قصة صديقين مدمنين يقطنان بمدنية البليدة ينتميان إلى عائلة مترفة، بسيناريو مماثل، حيث تناولا جرعتيهما وركبا سيارة فارهة، وتوجها نحو حي شعبي بوسط مدينة البليدة، تنتشر به متاجر "الماركة" ويعد مقصد بنات حواء و العرائس لشراء الذهب. وهناك ركنا السيارة الفارهة أمام محل لبيع المصوغات والمجوهرات، واقتحما المتجر تحت طائلة السلاح الأبيض وهما في قمة سعادتهما، وأخذا بعض الذهب ثم حاولا الفرار والاختفاء، إلا أن حظهما السيئ وتأثير المخدرات قادهما مباشرة إلى مركز الشرطة، أين ألقي عليهما القبض وهما لا يزالان يضحكان ويقهقهان. أطباء يحذرون من تنامي و غزو " الكوكايين " الكيميائي يقول الطبيب المختص مصطفي درقيني الأستاذ المساعد سابقا بقسم الإدمان بمستشفى الأمراض العقلية فرانتز فانون بالبليدة، وحاليا طبيب بالعيادة الجديدة لتسيير القلق والإدمان بالجزائر العاصمة، بأن مشاكل المدمنين على أشكالهم أصبحت تشكل ظاهرة اجتماعية واقعية، وهي تظهر بين جميع طبقات المجتمع ، بين الفقير المعوز والغني المترف، و كل يبررها بمحاولة نسيان الهموم و السباحة في فضاء الخيال ، ليؤكد بأن ظاهرة باتت تزحف إلى حدودنا، تتمثل في غزو أسواق الممنوعات الصلبة، بأنواع من الأدوية، والتي تصرف في أوروبا بتراخيص من أجل علاج المدمنين لهذا النوع من المخدرات الصلبة ، بشكل قانوني و مسموح، بهدف الإقلاع ، وهي عبارة عن " حبوب " و أحيانا مشروب سائل ، تقترب في مفعولها من مفعول "الكوكايين والهرويين"، وتباع بسعر أقل، ( في الجزائر سعر الحبة الواحدة يساوي تقريبا 4 آلاف دينار، بينما سعر 1 غرام من المخدرات الصلبة يتجاوز ال 10 و 14 ألف دينار في الصافي منها ) ، يتناولها المدمن الراغب في الإقلاع عن تعاطي الكوكايين أو الهيرويين في مراكز مرخصة ومؤسسة لأجل ذلك تعرف ب "ذو كافي شوب"، وأضاف بأن الخلفية من وراء العلاج الجديد كانت لتفادي بشكل أولي "الحقن"، والتي بها ومنها تنتقل عدوى أمراض معدية ، مثل " السيدا " و الفيروس الكبدي، وقال بأن نتائج هذه الأخطار المرضية في تقلص وتراجع ، ولكن واقع الإدمان ظل تقريبا موجودا وإشكالا مستمرا، ليعود بأن المدمنين لهذا النوع، هم من المسالمين يبتعدون قدر الإمكان عن مواقع العنف، والدافع الذي يجعلهم يقبلون عليها هو للانتشاء و الشعور بالسعادة و لنسيان بعض " الآلام العضوية "، أما عن أسباب الانحراف و الإدمان فلخصها الطبيب "درقيني" ،في البحث عن السعادة و النشوة و الاسترخاء، وبدافع الفضول وحب خوض غمار التجربة، والإصابة باضطرابات نفسية أو أمراض عقلية، والوقوع في مشاكل اجتماعية وعائلية، مثل الطلاق والقلق والإصابة بالأرق نتيجة العمل و الظروف المهنية ، ثم فيه عينة من المدمنين ، الذين تعرضوا في فترة الوضع الأمني السيئ في سنوات تسعينيات القرن الماضي ، إلى التهديد بالتصفية أو شاهدوا أحداث و مجازر دموية ، لم تستوعبها عقولهم و لم تتحملها ، مؤكدا في معرض حديثه بأن واقع الإدمان لهذا النوع من الممنوعات، على غرار أخرى ، تجاوز الخطوط الحمراء .