مرت انتخابات التجديد النصفي لمقاعد مجلس الأمة تاركة معها جرحا غائرا آخر في جسد التجمع الوطني الديمقراطي "الأرندي"، وبشكل خاص جسد أمينه العام والوزير الأول أحمد أويحيى، وكأن كل ما يحدث للأرندي سببه هذا الرجل الذي يشغل الساحة إعلاميا وسياسيا منذ زمن عمار سعداني وانتهاء بقصفه من طرف وزير العدل حافظ الأختام، الطيب لوح، من وهران قبل شهرين. هل تحول أويحيى من حليف إلى منافس مزعج إلى هذا الحد؟ الجواب يعيدنا إلى خرجات الأمين العام السابق للأفالان، عمار سعداني، عندما وجه سهام الانتقاد إلى أويحيى واصفا إياه ب"الرجل غير الوفي للرئيس بوتفليقة"، الذي كان يصول ويجول في ديوان رئيس الجمهورية مطلعا على كل صغيرة وكبيرة في هرم السلطة، إلى غاية سقوط عبد المجيد تبون من الوزارة الأولى بزيارة غير رسمية إلى باريس ولقاء مثير للجدل مع نظيره الفرنسي إدوار فيليب في أوت 2017. وفسر استبدال تبون بأويحيى بأنه طريقة ل"التخلص" منه ومن ظله في القصر الرئاسي، ومع ذلك بقي الرجل يشكل مصدر قلق إلى درجة أن المحيط الرئاسي اضطر لإلغاء قرارات حكومية هامة على الصعيد الاقتصادي في مرتين متتاليتين لكبح جماح الأزمة. في المرة الأولى، شاهد أويحيى بعينيه إلغاء ميثاق الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص من طرف غريمه الأمين العام السابق، جمال ولد عباس، بأمر من "الفوق"، كما كان يصرح بذلك هذا الأخير. وفي المرة الثانية، ألغى الرئيس بوتفليقة إجراءات كانت تسير نحو الإدراج في قانون المالية التكميلي 2017، تتعلق بزيادة في رسوم استصدار الوثائق البيومترية (جواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية)، وهي قرارات وإن أحرجت أويحيى إلا أنه تعامل معها "بهدوء محيّر". ودون سابق إنذار، هاجم وزير العدل، مطلع نوفمبر الماضي، أويحيى ملصقا به ما وقع لإطارات الدولة في التسعينات من سجن وتشريد جراء حملة الأيادي النظيفة. ومع ذلك، التزم أويحيى الصمت واكتفى بدفاع الناطق باسم الأرندي، صديق شهاب، عن "وفاء الوزير الأول للدولة ومؤسساتها والتزامه بتعهداته بمساندة الرئيس"، متجاهلا انتقادات وزير العدل. وجاءت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة الأخيرة ليشاهد الرأي العام فصلا آخر من "الصراع" بين أويحيى وخصومه، بتجرع الأرندي مرارة الهزيمة أمام الأفالان. وقبل وزير العدل حافظ الأختام، كان وزير الداخلية نور الدين بدوي محل "تأويلات" لعلاقة "مضطربة" مع أويحيى، مستدلين بنتائج محليات 2017 واتهام مصالح بدوي وولاة الجمهورية بترتيب النتائج والضغط على منتخبي الأرندي للتخلي عن رئاسة المجالس الولائية لصالح الأفالان. وفهم آنذاك أن أويحيى لم يعد مرغوبا فيه لدى المحيط الرئاسي بسبب "طموحات كبيرة"، في إشارة إلى خلافة الرئيس بوتفليقة (إذا سمح له القَدَر بذلك كما يقول أويحيى)، وبالتالي وجب التخلص منه مثلما حصل مع كل من كان يفكر في الجلوس على كرسي قصر المرادية والرئيس حي يرزق! ولعل أبرزهم عبد المجيد تبون، وقبله الأمين العام السابق للأفالان، عبد العزيز بلخادم، وسلفه علي بن فليس. ومثلما تفادى أويحيى الصدام مع وزير الداخلية بسبب خسارة المحليات، فضّل تفادي الصدام مع وزير العدل بسبب انتخابات مجلس الأمة، قابلا تحت الإكراه "الهزيمة بشرف" على فوز غير مستحق لحليفه "الغريم" الأفالان، مثلما صرح بذلك الناطق باسم الأرندي، صديق شهاب، معلقا على نتائج استحقاق 29 ديسمبر، في انتظار ما ستجود به الأيام من مفاجآت يخفيها "القدر" للجزائريين.