في الظاهر، الحزبان متحالفان والعلاقة بينهما "سمن على عسل"، لكن في الكواليس هي "الحرب الباردة"، وكل طرف يتربص بالآخر، ويتتبع "الحركة والسكون" لغريمه، والغاية "منع تكرار سيناريو بن فليس 2004". منذ عودة أحمد أويحيى إلى قصر الدكتور سعدان لترؤس حكومة كان على رأسها شخصية من الأفالان (عبد المجيد تبون)، والقلق ينتاب الأفالان من أمينه العام إلى أبسط مناضل فيه، وهو ما ترجمته حالة الهلع التي تملّكت القيادة الحالية للحزب العتيد عشية الانتخابات المحلية، من خلال تعدد خرجات جمال ولد عباس الإعلامية، التي كثيرا ما جلبت له ولمن معه ومن تحدث باسمهم، الكثير من الانتقادات، وحتى السخرية. وانتظر الجميع إعلان نتائج المحليات من طرف وزير الداخلية نور الدين بدوي، الجمعة الماضي، لكي تشتعل الحرب الباردة بين الأفالان والأرندي، إلى درجة أن ولد عباس خرج على الجميع بدعوة غريبة يطالب فيها بدوي بتقديم تفسيرات للأرقام التي تحصل عليها، والتي لا تبتعد كثيرا عن تلك المحصل عليها من طرف الأرندي الذي يعيش "أزهى أيامه" منذ أن عزز مكاسبه الانتخابية في تشريعيات 4 ماي الماضي، بزيادة 100 بالمائة من المقاعد. وإذا صدقت الروايات التي يجري تداولها على نطاق ضيق بين قيادات الأفالان، فإن فتوى رئاسية تكون قد صدرت بحق مستقبل ولد عباس على رأس الحزب العتيد، بعد هاتين الانتكاستين، على بعد عام ونصف العام من الانتخابات الرئاسية التي يعول فيها الأفالان على بقاء الرئيس بوتفليقة في الرئاسة لعهدة خامسة. وإذا كان أويحيى قد ربط التفكير في خلافة بوتفليقة، برغبة هذا الأخير في التنازل عن العهدة الخامسة، إلا أن حلفاءه الأفالانيين لا يثقون في هذا الكلام ويؤكدون أن طموح الرجل هو الجلوس على "عرش المرادية"، وبالتالي وجب "إغراقه في المشاكل" التي تحطم هذا الطموح، خاصة بعد نجاح أويحيى في تجاوز عقبة قانوني المالية الذي رفض إدراج أي ضرائب جديدة فيه، باستثناء الزيادات في الرسوم على الدخان والوقود. كما نجح أويحيى في تجاوز عقبة رفض تعديل قانون النقد والقرض والسماح بافتتاح شبابيك خاصة بالخدمات والمنتجات البنكية المتماشية مع أحكام الشريعة الإسلامية، مع الإبقاء على الخدمات والمنتجات التقليدية. والعقبات التي تعترض طريق أويحيى إلى المرداية، تفكيك الألغام الاجتماعية التي زرعت منذ 2012 بسبب الخلافات التي كانت تنخر الحكومة بفعل الخلافات الشخصية بين الوزراء فيما بينهم، والوزير الأول السابق مع عدد منهم، مثلما كان جاريا في قطاع السكن، الذي يقف أويحيى أمامه لحد الآن دون حلول واقعية وناجعة، رغم قيام الوزير الجديد للسكن عبد الواحد تمار بإنهاء مهام مديري الوكالة الوطنية لتحسين السكن طارق بلعريبي وزميله مدير المؤسسة الوطنية للترقية العقارية محمد الشريف عون، وتحميلهما التأخيرات المسجلة في إنجاز مشاريع السكن المبرمجة في 2013، واستمرار تأخر طي ملف "عدل" 2001 و2002. ومن الألغام التي سيضطر أويحيى لإبطالها وتفكيكها، متابعة مشاريع البنى التحتية التي تعهد برفع التجميد عنها، وخاصة ما تعلق منها بأشغال الطريق السيار، وميناء شرشال والمطار، والجامع الأعظم، وميترو العاصمة، زيادة على المستشفيات المتخصصة في مكافحة السرطان. ولأنها ملفات شائكة، فإن أويحيى يكون قد أبلغ رئاسة الجمهورية برغبته في إجراء تعديل حكومي يأتي برجال قادرين على تحمّل أعباء هذه المرحلة، وهو ما استبقه جمال ولد عباس بتصريحات أزعجت أويحيى، عندما قال إن "وزراء الأفالان سيعودون إلى الحكومة قريبا"، في إشارة إلى احتمال قوي بموافقة الرئيس بوتفليقة على طلب أويحيى، لكن بشروط بعد التوقيع على قانون المالية 2018 في أواخر ديسمبر المقبل. كما يطرح متتبعو لما ستفرزه "العلاقة الباردة" بين الأرندي والأفالان، التساؤل حول الاحتياطات التي يتخذها أويحيى لتفادي السقوط في ما سقط فيه من سبقه، وإزالة الشكوك التي تحوم حول ولائه لرئيس الجمهورية، وهو السؤال الذي يتكرر في كل مناسبة إعلامية مع أويحيى، وخاصة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وكأن الغرض منها دفع الرجل إلى "حرق أوراقه" قبل الأوان، وبالتالي إخراجه من مضمار السباق الذي لم يعد يقف فيه غيره، بالإضافة إلى الرئيس بوتفليقة، حتى وإن تم "تحريم" الحديث عن العهدة الخامسة على ولد عباس بعد إقحام المحامي فاروق قسنطيني "نفسه فيما لا يعنيه"، بحديثه عن لقاء خاص مع الرئيس - نفاه القصر الرئاسي - كان فحواه، بحسب تصريحات قسنطيني، العهدة الخامسة.