أسدل الستار أوّل أمس على فعاليات المؤتمر الدولي ”أسئلة النهضة في الذكرى السبعين لكتاب (شروط النهضة) لمالك بن نبي”، بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، بحضور الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وعلى مدار ثلاثة أيّام، بالتركيز على إحياء الأسئلة الّتي شغلت المصلحين والمجدّدين من رواد الفكر الإسلامي في القرن الماضي، وهي أسئلة التخلّف والنّهوض. انطلق المؤتمر الدولي ”أسئلة النهضة في الذكرى السبعين لكتاب (شروط النهضة) لمالك بن نبي” صبيحة الأحد بحضور شخصيات علمية وفكرية وسياسية، أبرزهم أنور إبراهيم، نائب رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، ورئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، والمؤسّس المشارك لحزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، حيث قدّم كلّ منهم رؤيته لمشروع بن نبي. واعتبر رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، الدكتور بدران بن لحسن الجزائري، في تصريح إعلامي، أنّ أطروحة المفكر الجزائري مالك بن نبي تتميّز بتشخيصه الواقعي لمختلف المقاربات الّتي طرحت لدى الأمم بشأن النهضة، فضلًا عن اقتراحه مشروعًا يتجاوز حدود الدول القومية والصّراعات المذهبية ولا يكتفي باتّخاذ ردود الفعل على المشاريع الغربية. وأوضح الدكتور بدران بن لحسن في تصريح ل«الجزيرة.نت” أنّ الرؤية الحضارية لدى بن نبي تنظر للحضارة برؤية كلية ولا تهمل التفاصيل الجزئية، وأنّه اهتمّ بالولاء للإسلام بطريقة نقدية فكان يرى أنّ التاريخ الإسلامي على الرغم من كلّ ما فيه من الفضائل تكمن فيه أيضًا العديد من الأسباب الّتي تكرّس تخلّفنا. وشدّد أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة حمد على أنّ الحضارة الغربية الّتي أنجزت تقدّمًا تكنولوجيًا فريدًا، في مشروع بن نبي، لا تمثّل النّموذج المطلوب، لأنّها حسب المفكر الجزائري أوصلت البشرية إلى حالة من إخفاق الضمير، داعيًا إلى التخلّص من عقدة النقص تجاهها عبر مقاربة الفهم والتمييز بين الإيجابيات وعوامل الإخفاق والتعلّق بالمادة، وهذا لا يحدث إلّا بجهود قصدية لا عشوائية، وعبر الاهتمام بالإنسان المأزوم نفسه. من جهته، أشار المفكر عبد الرّحمن أحمد عثمان إلى الحاجة لإعادة تشكيل العقل المسلم بعدما غلبت عليه فكرة التعلّق بالمادة، وقال إنّ المفكر مالك بن نبي كان ينتقد استيراد الأفكار المميتة بدلًا من الأفكار الحيّة المنتجة، معتبرًا أنّ الأخيرة تماثل القيم العليا الّتي أحياها الإسلام كالصّدق والأمانة والعدل. بدوره، قدّم الباحث الجزائري عبد القادر بخوش ورقة عن مقولات الاستغراب لدى بن نبي، وقال إنّ المراد به هو الدراسة القصدية المنظمة لدراسة الغرب على غرار الاستشراق، حيث كان المفكر بن نبي يشدّد على ضرورة معرفة الغرب معرفة مؤسساتية لا عشوائية، وكان له السبق في طرح هذا المبدأ الّذي يلقى رواجًا اليوم. من جهة أخرى، أكّد الدكتور عماد الدّين شاهين أنّ رؤية كلية الدراسات الإسلامية ”تسعى إلى إيجاد صلة بين الأفكار الإسلامية والواقع، وتطوير حلول تطبيقية للتحديات الّتي تواجهها المجتمعات المسلمة اليوم”، داعيًا العلماء لمشاركة معرفتهم بآراء المفكر مالك بن نبي في مجال الفكر الإسلامي، إلى البناء عليها من أجل تطوير هيكلية معاصرة تسمح بنهضة جديدة. في حين، قالت رحمة بن نبي ابنة المفكر الرّاحل، إنّ مشروع والدها لم يُفهَم في وقته لأنّه كان سابقًا لعصره، فكان على سبيل المثال من أوائل الّذين تحدّثوا عن العولمة والحضارة الإنسانية في وقت مبكر، كما أنّ الواقع السياسي للاحتلال الفرنسي -الّذي كتب بن نبي أفكاره في ظلّه- كان قد زرع في عقول الكثير من الجزائريين الشعور بالدونية، فسعى بن نبي إلى إقناعهم بأنّ ”القابلية للاستعمار” ليست سوى مرض قابل للعلاج. وأبدت الدكتورة رحمة -الّتي قدّمَت ورقة عن شروط النّهضة في ما بعد الحداثة- تفاؤلها بأن يُفهم فكر والدها من قبل الجيل المعاصر، ولا سيما أنّ أفكاره قد تجاوزته ولم تعدّ مرتبطة بشخصه، بل أصبحت أفكارًا مستقلة تلقى رواجًا في معظم أرجاء العالم الإسلامي. كما ناقش عدة باحثين ثلاث أسئلة، حول سؤال المنهجية والمصطلح، وسؤال الإيمان والحرية، وسؤال الثقافة والتنمية. حيث تحدث الأستاذ الحافظ الدوسو من جامعة إيابدان في نيجيريا عن تميّز بن نبي في حواره مع التاريخ الإسلامي لاستنباط الأمراض وتشخيص علاجها الّذي أثمر كتابه ”شروط التجديد” الصّادر عام 1949م. بينما عرج المفكر المغربي عبد السّلام باجي إلى الروح الدّينية الفعّالة في فكر بن نبي، فهي عنده مبتدأ الحضارات ومنتهاها، فعندما تنتهي الفكرة الدّينية من أيّ مجتمع تفقد الروح هيمنتها على الغرائز المكبوتة وتبدأ رحلة الانهيار. في حين، ركّز المفكر الجزائري عمار جيدل على أنّ بذور التحضر كامنة في الإيمان الأصيل، وهو الإيمان الّذي عرفه جيل التنزيل (الصّحابة)، موضّحًا أنّ بن نبي ميّز بين معارف الإيمان والمعارف الإيمانية سعيًا للتّركيز على الإيمان الباعث على الحضارة. تجدر الإشارة إلى أنّ المنظمين يسعون لأن يكون هذا المؤتمر فضاء للعلماء والمفكرين الباحثين لمُدارسة هذا المشروع الفكري لمالك بن نبي والقيام بعمل تقييمي استشرافي، يقيّم مشروع النّهضة وأطروحته، ويستشرف آفاق تطويرها والانتقال بها إلى مستوى مستقبلي ينقل أمّتنا من التّناول الجزئي العشوائي لمشكلات نهضتها إلى التّناول السنني العلمي القائم على إعمال سنن الله في الآفاق والأنفس والتاريخ لإحداث نقلة في واقع مجتمعاتنا الإسلامية نحو تحقيق السيادة والاستقلال والريادة الحضارية واستعادة دورها الحيوي في المجتمع الدولي.