“تعزيز الرابطة جيش - أمة”، عنوان “مجلة الجيش”، لسان حال المؤسسة العسكرية لشهر مارس، إذا وضع في سياق اللحظة التاريخية التي تعيشها الجزائر، فهو يحمل دلالة قوية مفادها أن الجيش اختار الانحياز للشعب، الشعب الذي يرفض استمرار عبد العزيز بوتفليقة في الرئاسة ويطالب أفراد جماعته بالرحيل عن السلطة والتنحي نهائيا من المشهد. وكتبت النشرية العسكرية في افتتاحيتها أن “ما حققه جيشنا على أصعدة عدة ووقوفه اللامشروط إلى جانب أمته أكد مدى تماسك الشعب مع جيشه وتلاحمهما وترابط مصيرهما وتوحد رؤيتهما للمستقبل، لأن كليهما ينتميان لوطن واحد لا بديل عنه، وطن تعهدت قواتنا المسلحة بحفظه والذود عنه وحمايته من كل مكره”. هذا المقطع من الافتتاحية يختلف إلى حد التناقض مع تصريحات رئيس أركان الجيش، وهو المشرف العام على المجلة العسكرية، يوم 26 فيفري الماضي بتمنراست، حينما وصف متظاهري جمعة 22 فيفري الذين كانوا بمئات الآلاف ب”المغرر بهم”. فقد ذكر أن المسيرات نظمت بناء على “نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة، وغير مأمونة العواقب.. مسالك لا تؤدي حتما إلى خدمة مصلحة الجزائر ولا إلى تحقيق مستقبلها المزدهر؟”. واعتبر كلامه معاديا بشكل واضح للحراك الشعبي الثائر ضد بوتفليقة وجماعته. واللافت أن وزارة الدفاع استدركت الأمر بسرعة، بدعوتها وسائل الإعلام إلى عدم التعاطي مع هذا الخطاب. وجرى سحب الفيديو الذي تحدث فيه صالح من كل المواقع الإلكترونية، وإن بقيت نسخ منه متداولة في المنصات الرقمية الاجتماعية. ومن الواضح أن هذا التصرف كان عاكسا لرفض جهة في السلطة ما صدر عن الفريق، وقدّرت بأن تصريحاته النارية ستتسبب في تأجيج الشعور بالنقمة على بوتفليقة والموالين له، وصالح واحد منهم بل هو ركيزتهم. وغيّر قائد الجيش لهجته جذريا بعد هذا الخطاب. فأثناء زيارته لأكاديمية شرشال لمختلف الأسلحة، يومي 4 و5 مارس الجاري، ألقى خطابا في اليوم الأول كان مهادنا تجاه الحراك، وخطابا ثانيا في اليوم الموالي ظهر فيه أيضا ليّنا تجاه حالة الاستياء. ومما قاله: “يحق لجيشنا أن ينوه بغزارة آيات التواد والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة التي ما انفكت تتقوى عراها بينه وبين شعبه”. وتحدث عن “مدى قوة الرابطة التي تشد الشعب الجزائري لجيشه، فطوبى لهذه الروابط الشعبية النبيلة والصادقة التي تجد في نفوسنا كعسكريين كل العرفان والتقدير والإجلال لهذا الشعب، والتي تشد على أيدينا وتشجعنا أكثر فأكثر على المضي قدما بعزيمة وهمة في سبيل صيانة وديعة الشهداء الأمجاد”. وفهمت “الجرعة الزائدة” من الثناء على الشعب، في خطابي صالح السابقين ومن افتتاحية المجلة، بأن المؤسسة العسكرية يبدو أنها استوعبت دعوات المتظاهرين الملحة بأن لا تقف أمام إرادتهم في الضغط على بوتفليقة لسحب ترشحه.