انتهت على مستوى الشكل العهدة الخامسة التي خرج لأجلها ملايين الجزائريين إلى الشارع، رافضين لها في مسيرات سلمية، وسحب بوتفليقة، أمس، ترشحه وأجّل الانتخابات الرئاسية إلى إشعار آخر. ليبقى التساؤل الأكبر: “هل سيتقبل الجزائريون هذا القرار، خصوصا وأن منهم من طالب برحيل النظام بكل رموزه الحالية التي طغت على المشهد طيلة عقدين من الزمن”. بعد ثلاث جمعات بدأت من تاريخ 22 فيفري المنصرم، خرج الملايين من المواطنين رافعين شعارات تنادي ب«لا للعهدة الخامسة”، ثم بدأت المطالب تتطور وتكبر إلى رحيل النظام كله برموزه الحالية، إلى غاية جمعة 8 مارس التي كانت حاسمة بالفعل، ووصل فيها الصوت إلى صناع القرار، ورضخوا إلى “صاحب السيادة الوطنية”، أيّ الشعب، فدخل الرئيس بوتفليقة، الأحد الماضي، من جنيف بعد رحلة علاج، فكان للشعب ما أراد وسحب “الرئيس المترشح” ترشحه، ثم اتخذ قرارات كرئيس للدولة ألغى بها المسار القانوني للانتخابات التي كانت مقررة في 18 أفريل 2019. كان واضحا منذ البداية أن الحراك الشعبي السلمي الذي أبهر به الجزائريون العالم، أن يأتي بأولى ثماره، وهو تراجع بوتفليقة عن الترشح بعدما أودع ملفه نيابة عنه مدير حملته الانتخابية، عبد الغني زعلان، لدى المجلس الدستوري، لكن المشوار لايزال طويلا وصعبا وشاقا على النظام وجماعة الرئيس على وجه الخصوص، فالمطالب تجاوزت العهدة الخامسة، ولم تكن مع توالي الحراك وتطوراته إلا جزءا بسيطا في تركيبة مطلب كبير جدا وهو رحيل النظام بأكمله. الحراك الشعبي الذي دفع بوتفليقة إلى سحب ترشحه، كان يقابله حراك آخر وسط التنظيمات الجماهيرية والنقابية والعمالية وحتى التي تحمل رمزية كبيرة جدا، كانت منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999 تؤيده بولاء مطلق، قد انضمت إلى الهبة الشعبية ضد الخامسة، على غرار منظمة المجاهدين والجمعية الوطنية لمجاهدي التسليح والاتصالات العامة “مالغ” التي يرأسها وزير الداخلية سابقا، الذي كان من أقرب المقربين إلى بوتفليقة، ثم المحامين والطلبة الجامعيين والقضاة وتلاميذ الثانويات والأساتذة الجامعيين والأئمة وكل شرائح المجتمع التي وقفت إلى جانب مطلب الشعب صاحب السيادة الوطنية. أمام هذا الزخم الذي أجبر بوتفليقة على الانسحاب، كان هنالك ضغط شديد على مؤسسة الجيش التي رفعت بشأنه شعارات تغازله مثل “جيش شعب.. خاوة خاوة”. وكانت كل الأنظار مشدودة في عز بداية الحراك إلى أن يصدر موقف من الجيش، وتحديدا من نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش، الفريق ڤايد صالح، فكانت خرجته الأولى صادمة عندما وصف المتظاهرين ب«المغرر بهم”، لكن بعد نصف ساعة من بث الخطاب، سحب من وسائل الإعلام وحتى من الرسالة المكتوبة. وبعد جمعة 1 مارس وخروج الملايين إلى الشارع لمناهضة العهدة الخامسة، ووجهت انتقادات واسعة إلى الفريق ڤايد صالح، بدأ كلامه تجاه الحراك يلين وينتقي العبارات التي يستدرك بها الخطاب الأول الذي ألقاه في تمنراست، ويركز فيه على “أمن الجزائر واستقرارها الذي كان عظيما”، ويؤكد مدى تماسك الشعب مع جيشه وترابطهما فكرا وعملا، وتلازم طريقهما وارتباط مصيرهما وتلاحم، بل وتوحد نظرتهما نحو المستقبل، فكلاهما واحد لأن الوطن واحد”، حسب تصريح ڤايد صالح. وكان خطاب، أول أمس، لڤايد صالح قد ورد فيه تحوّل لافت لكلامه منذ بدء الحراك ضد العهدة الخامسة، حيث أشاد رئيس أركان الجيش، مطولا، بالجزائريين دون أن يتطرق، على غير عادته، إلى الرئيس بوتفليقة. وقال الفريق في عبارات واضحة إن الجزائريين يبرهنون اليوم على قدر عال من الغيرة على الوطن. وقال ڤايد صالح إنه “تتجمع بين الشعب وجيشه كل مقومات الود والاحترام والتعاطف والتضامن وكل مقومات النظرة المستقبلية الواحدة لجزائر الغد. فحوافز اكتساب الرفع من مستوى القدرة على توحيد الرؤية تجاه الوطن موجودة، وتصنعها الرؤية المشتركة للتاريخ والحاضر ولآفاق مستقبل الجزائر الواعد، التي يبقى شعبها يعرف خفايا عالم لا يرحم، يطبعه الغليان ويموج بالعديد من الأحداث والمتغيرات الطارئة والمدبّرة”.