يرى عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أن ثمة مؤشرات عديدة على عدم توفر إرادة سياسية في الذهاب نحو انتخابات تتيح للجزائريين العبور إلى نظام ديمقراطي حقيقي. ويخوض مقري في حوار ل"الخبر"، بعد فترة طويلة من الصمت، في العديد من القضايا المتعلقة بالحوار والمخارج المطروحة لتجاوز الأزمة. لوحظ غيابك عن الساحة منذ مدة وصاحب ذلك عدة تأويلات.. ما هو سبب هذا الصمت؟
نحن نشعر أننا أدينا الذي علينا في الفترة السابقة، وقمنا بمجهود كبير من أجل حل الأزمة. لكن للأسف الشديد، لاحظنا أنه لا توجد إرادات حقيقية للتوافق والانتقال الديمقراطي. لذلك، قررنا منح أنفسنا فرصة للتقييم وخففنا فقط الظهور لهذه الغاية.
في فترة غيابك، تكررت إشاعات حول استدعائك من المحكمة العسكرية.. هل لديك تفسير لذلك؟
هذا يدخل في باب المنافسة ومن كل الجهات والتيارات العلمانية وحتى الإسلامية، لأنها تعتقد أن حمس حركة قوية ولديها حظ وافر في أي انتخابات تكون نزيهة. هم بدل الذهاب إلى التوافق دخلوا منطق المنافسة ويعتقدون أنه يمكنهم إضعاف حمس عبر هذه الطرق غير الأخلاقية.
أفهم من كلامك أنكم تتهمون جهات حزبية وليس أطرافا في السلطة؟
ممكن جدا أن تكون جهات في السلطة. وهناك من يريد أن يستغل ثقل حمس لخدمة مشروعه، ونحن نقول دائما إننا مستعدون للانخراط في مشروع يحقق الديمقراطية والتنمية للبلاد، لكن نرفض تماما استعمالنا لخدمة أي جهة.
يعني أنك تنفي أن يكون قد تم استدعاؤك حتى على سبيل الشهادة في قضية السعيد بوتفليقة؟
لا أبدا. ثم لماذا كثرة الحديث عن السعيد بوتفليقة؟ كل من يحكموننا اليوم كانوا يلتقون بالسعيد بوتفليقة. وأنا كنت الشخص الوحيد الذي التقى السعيد بوتفليقة لأقول له عليكم بالرحيل ونحن سنساعدكم في ذلك، وكان ذلك قبل الحراك. نحن كنا واضحين معهم في أننا ضد العهدة الخامسة والتوريث وضد أن يخلف بوتفليقة رجل من "السيستام". أردنا المساعدة لإنهاء حقبة بوتفليقة.
لماذا في رأيك يستمر الجدل حول لقائك بالسعيد بوتفليقة إلى اليوم وهناك من يضعك في صف من أرادوا التمديد للرئيس بوتفليقة ولم يقتنع بفكرة تأجيل الانتخابات التي طرحتها؟
هؤلاء فارغون، ولأنهم لم يمسكوا ضدي أي شيء يلوكون نفس هذه الحكاية. من يستطيع أن ينكر عليّ الالتقاء بشخص كنت أعارضه لسنوات وتحدثت عن فساده، من أجل أن أقول له يجب أن تغادروا الحكم. ثم نحن لم نطلب اللقاء مع السعيد، لأننا أرسلنا مبادرة التوافق الوطني لرئيس الجمهورية، وهو كلّف من كان يسمى مستشاره..
لكن بوتفليقة لم يكن يملك أن يكلف بالنظر لحالته الصحية؟
كان كل المسؤولين في الدولة يتلقون الأوامر من السعيد بوتفليقة قبل الحراك. من يملك الجرأة اليوم ليلومني عندما قلت له في وقت كان الجميع خاضعين له، أنا أريد منك أن ترحل خدمة للبلاد وأستطيع مساعدتك في ذلك.
اليوم بمنطق الربح والخسارة السياسية.. لست نادما على ذلك اللقاء وهل إذا تكرر الزمن كنت ستلتقيه أيضا؟
أبدا. نحن قمنا بواجبنا. الحزب المعارض عندما يريد الحديث عن الانتقال الديمقراطي، فإنه يتكلم مع السلطة وهذا ما فعلناه. كل من لا يجرّمه الشرع والقوانين والأخلاق، لا أرى سببا لمنعه أو رفضه. ثم إن لقاءنا بالسعيد بوتفليقة لم يكن سريا والدليل أننا كلّمنا العديد من الأحزاب وقلنا لهم إن ثمة فرصة للانتقال الديمقراطي والتوافق. كما أنه لقاء كان في مقر رئاسة الجمهورية في زرالدة، وكان كل شيء مسجلا. ونحن قلنا في بداية اللقاء إننا هنا ليس لأي مطلب حزبي أو شخصي، ولكن للنقاش والحوار والتفاوض حول الانتقال الديمقراطي، ويمكنهم إخراج التسجيل إذا أرادوا.
ألا ترى اليوم أنه لحسن الحظ لم يعمل السعيد بوتفليقة باقتراحك، لأن مشروع "العهدة الخامسة" تسبب في انطلاق الحراك الذي نقلنا إلى مستوى آخر من المطالب؟
نحن في مبادرتنا لم نترك أي مجال للسعيد بوتفليقة حتى يناور، فقد ذكرنا بأن رئيس الحكومة يكون من المعارضة وهو من يقود عملية الانتقال الديمقراطي. ثم إن مبادرتنا كانت بنت وقتها وضمن المتاح وفي إطار موازين القوى السائدة، فالجزائريون لم يكونوا على استعداد حينها للخروج إلى الشارع. لكن عندما خرج الشعب عن بكرة أبيه إلى الشارع، تحول الموقف تماما، فالكلمة صارت للشعب الذي تحمل مسؤوليته. تصور بعد فترة، تعود الأمور إلى ما كانت عليه والجزائريون يدخلون بيوتهم والانتخابات تزور ويظهر الانتهازيون من جديد، وهذا احتمال وارد لا يمكن استبعاده، هل سنتوقف حينها نحن عن النضال؟ بالعكس، سنبقى نتحرك ونبادر لأن ذلك من صميم مشروعنا.
خطاب الفريق ڤايد صالح من ورڤلة أثار ضجة كبيرة باقتراحه استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر.. هل فاجأكم أن يأتي ذلك على لسان رئيس أركان الجيش؟
نحن موقفنا واضح. لن نتفاعل رسميا إلا بعد أن تستدعى الهيئة الانتخابية رسميا وهذا لم يتم بعد.
هذه الدعوة التي يرى البعض أنها يفترض أن تأتي من رئيس الدولة ألا تدل على وجود خلل في المنظومة الحالية؟
الجزائر كلها اليوم في خلل. أصلا نحن خارج إطار الدستور. لما لم تُجر الانتخابات في وقتها ثم ألغيت انتخابات 4 جويلية أصبحنا خارج الدستور. ولما المجلس الدستوري أصدر الفتوى غير الدستورية بالإبقاء على بن صالح، خرجنا مرة أخرى عن الدستور. والكل يعترف اليوم بأننا في أزمة.
أبدى رئيس أركان الجيش في خطابه معارضة كذلك لتعديل عميق لقانون الانتخابات.. ما رأيكم؟
هذه العناصر التي ذكرتها كلها ستدخل في تقييمنا لما يحين الوقت لتحديد موقفنا النهائي بشأن الانتخابات الرئاسية. أصلا نحن لم ننخرط في مسعى هيئة الحوار والوساطة، لأننا لاحظنا غياب الجدية، وغياب موازين القوى التي تصنع انتقالا ديمقراطيا حقيقيا. لا نفهم كيف أننا سعينا في ندوة عين البنيان إلى جمع كل الأحزاب والمنظمات على مشروع واحد وتنازلنا عن كل مبادراتنا الحزبية، ثم يترك ذلك ويستبدل بمشروع ضعيف ليست له القدرة على صناعة ميزان قوى سياسي يساعد على الانتقال الديمقراطي.
ما رأيك في فكرة الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت التي تلح عليها المؤسسة العسكرية؟
إذا كان الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية ضمن منطق الانتقال الديمقراطي مع توفير شروط الحرية والنزاهة فهذا هو الأساس. في علم الانتقال الديمقراطي هناك فترة الانتقال وفترة تعزيز الانتقال الديمقراطي. الفترة الأولى هي الصعبة والدقيقة ويتم التحكم فيها بالحوار. أما الفترة الثانية التي تتعمق فيها الديمقراطية فتكون بعد انتخاب المؤسسات من رئيس وبرلمان وغيرها. الحراك الجزائري ليس من النوع الذي يفرز قيادات تصنع هيئات الانتقال. لذلك حجتنا مع من يدعو لمجلس تأسيسي دائما غالبة، لأننا نقول لهم إنه لا توجد قيادات للحراك يمكن التعويل عليها لوضع الهيئات الانتقالية. لذلك فإن الحل يبقى في الذهاب إلى الشرعية الشعبية، أي الانتخابات الرئاسية في أوقات معقولة تتحدد بالحوار. لكن أكبر مشكلة اليوم هي في عدم وجود الطرف الذي تتحاور معه السلطة، خصوصا بعد أن تم إفساد مبادرة عين البنيان التي كانت فكرتنا فيها تكليف السيد عبد العزيز رحابي بالحديث باسم كل من حضر ووقع على مبادرة عين البنيان، وإطلاق يده في التحاور باسمنا مع الجميع في السلطة وخارجها.
تقول إن هناك من أفسد مبادرة عين البنيان.. هل تقصد تصريحات السيد لخضر بن خلاف التي احتج فيها بشدة على السيد رحابي؟
هذا سؤال كبير جدا. ليست لي إجابة دقيقة عنه، لكن الأكيد أن المبادرة ضُربت. نحن كنا نريد أن يتكلم رحابي باسمنا وينطلق بالمبادرة إلى كل مؤسسات الدولة، لكن للأسف أجهض ذلك.
هل ترى أن الظروف ستكون ملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة؟
إذا كان هناك تفاهم وتوفرت شروط النزاهة، فيمكن الذهاب إلى الرئاسيات في ظرف شهرين، لأن الانتخابات في النهاية هي إرادة سياسية من طرف الدولة بكل مؤسساتها بأن لا تتدخل في المنافسة، وهيئة وطنية مستقلة تتشكل بالحوار وأحزاب تقدم مرشحيها وشعب يقرر. لكن إذا حدث العكس، واستمر مسار الغلق الإعلامي والتضييق على نشاط المجتمع المدني وتخوين المخالف وغير ذلك، فهذا بالتأكيد لن يوفر الجو المناسب.
هناك من يرى أن النظام يريد تجديد نفسه في انتخابات صورية. هل تشاطر هذه المعاينة؟
هناك مؤشرات قوية على ذلك، لأن النظام السياسي عندنا في النهاية هو جهة بيدها القوة وفي كل مرة تنتج واجهة جديدة. والحقيقة أن من يحكم البلاد هو المؤسسة العسكرية وهي من تنتج أنماط الحكم. بوتفليقة وغيره كانوا منتوجات لنفس "السيستام". والسؤال الأكبر اليوم هو هل تريد المؤسسة العسكرية الانتقال الديمقراطي. لا نملك جوابا اليوم، لكن لدينا مخاوف جادة بأن هناك رغبة ما في مكان ما في تجديد النظام لنفسه، عندما نرى التضييق الإعلامي والاعتقالات ومنح الاعتمادات بالولاءات وتشويه الأحزاب السياسية وغير ذلك. وهذا ما جعلنا لا ننخرط في مسعى الحوار، لأننا لم نشأ إضفاء مشروعية سياسية على مشروع لا نعلم مراميه وهل هو حوار سيد وشفاف أم حوار لشرعنة قرارات جاهزة دون ضمانات لتوفير بيئة منافسة حقيقية.
تعودت على تقديم تحليلات فيما يخص تفاعلات النظام من الداخل. هل تعتقد اليوم بوجود صراع بين قيادة الأركان والرئاسة بالنظر إلى الاختلافات التي ظهرت حول شروط التهدئة مثلا وتحديد موعد الرئاسيات (بن صالح قال إنه سيخضع لنتائج الحوار وڤايد صالح اقترح موعدا محددا)؟
ما تتكلم عنه هو ما يخلق حالة الشك حول ما يجري. وهناك من ينطلق من هذه الأخطاء ليقول إن هناك صراعا داخل السلطة. نحن ليست لدينا معلومات لكن لدينا نفس الشكوك.
كريم يونس طرح فكرة العهدة الانتقالية، وهي تتشابه كثيرا مع فكرة الرئيس التوافقي التي تطرحونها.. ألم يكن من الأحرى دعمه في ذلك؟
فرضا تكلمنا مع كريم يونس حول المرشح التوافقي، وهل هو قادر على تحقيق التوافق. بالتأكيد لا يستطيع، نحن في مساعينا السابقة ذهبنا إلى المعنيين مباشرة ولم يتحقق ذلك، فكيف بكريم يونس.
هل ترى في العهدة الانتقالية حلا للأزمة؟
هناك تسميات عديدة لنفس المعنى. ما يهمنا هو الوصول إلى رئيس شرعي ومنتخب تكون عهدته توافقية وليست عادية، يتم الاتفاق فيها بين هذا الرئيس والأحزاب والنقابات والمجتمع المدني على رؤية سياسية واقتصادية. ثم نذهب إلى انتخابات تشريعية ونتعهد بأنه مهما كانت نتيجة الانتخابات نستمر في الحكومة التوافقية وفي دعم الرئيس التوافقي إلى غاية نهاية عهدته، ثم نتحاور بعد ذلك في استمرار دعم عهدة توافقية أخرى أو لا.
لكن الأحزاب المتكتلة في "البديل الديمقراطي" مثلا، ترى أن الذهاب إلى رئاسيات حتى بعهدة انتقالية، خطير على البلاد لأن الرئيس المقبل سيجد نفسه بصلاحيات كبيرة وفق الدستور الحالي قد تجعله يتغول من جديد؟
نحن نحترم كل الآراء. وأصارحك أنه في البداية كان هذا رأينا أيضا، أي تعديل الدستور قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، لكننا تنازلنا عن هذا المطلب في وقت مبكر لتسهيل الذهاب إلى الرئاسيات، لأننا لم نجد آلية لتصميم الدستور في هذه الفترة التي نعيش فيها فراغا كبيرا. ولا أخفيك أن ما جعلنا نتنازل عن فكرة تعديل الدستور قبل الرئاسيات هو هذا الاستقطاب الأيديولوجي الذي حصل مع بعض مكونات الحراك، والذي أكد لنا استحالة التوافق على تعديل للدستور في هذه الفترة، لأننا أحسسنا بأنه لا توجد نية للمحافظة على المساحات المشتركة في جوانب الهوية والأيديولوجيا وغيرها، وهو ما سيدخلنا في متاهة كبيرة إذا فتحنا ورشة الدستور الآن.
هناك من يلومكم كأحزاب ونخبة سياسية بأنكم تفرقتم اليوم في وقت أنتم في أمس الحاجة للوحدة، رغم أنكم سبق وأسقطتم الخلافات الأيديولوجية في مازافران مثلا. ما الذي تغير اليوم حتى صرت مثلا أنت ومحسن بلعباس زعيم الأرسيدي لا تلتقيان؟
هم الذين رفضوا العمل معنا. أنا أذكر أنني في بدايات الحراك ذهبت إلى محسن بلعباس، وقلت له حان الوقت لإعادة مازافران، فرفض وقال لي أنا اليوم مع "القطيعة" ومن لا يريد "القطيعة" من الأحزاب لا أتعاون معه.
هل يعني أنك ضد القطيعة؟
أنا أرفض وضع شروط مسبقة. يمكننا التحاور وهذا ما أنجح مازافران. وأنا أقول لك إن القطيعة الحقيقية هي الانتخابات الحرة والنزيهة.
عمار غول وزير سابق لحمس.. دخوله السجن كيف تلقيته؟
هو خرج من الحركة واختار طريقه قبل مدة طويلة. وهذا الموضوع يؤكد مناعة الحركة وقدرتها على إخراج العناصر التي تحوم حولها الشبهات قبل انكشاف ذلك. نحن نرى في أحزاب أخرى كيف أن أمناء عامين في مناصبهم يثبت تورطهم مع كل ما يشكله ذلك من فضيحة لأحزابهم. ما ينبغي قوله اليوم، إن القيادة الحالية لحمس قامت بعمل بطولي وإنجاز تاريخي يعلمه جيدا المناضلون، عندما أخرجت الحركة من الحكومة وصمدت أمام كل الإكراهات والإغراءات التي كانت تريد إعادتها إليها، لأنه لو لم نقم بذلك لكان الحزب قد انتهى في 22 فيفري، ولكان مصيرنا أسوأ من الأفالان والأرندي ولن نجد أحدا يبكي علينا.
هل أفهم من كلامك أن التيار الذي أراد إعادة حمس إلى الحكومة انتهى اليوم؟