تواجه الحكومة حالة من التخبط في اتخاذ القرارات ذات الأبعاد الاقتصادية وتسيير الأنشطة الاستثمارية، من خلال الإجراءات والإجراءات المضادة التي سرعان ما تلحق بجميع التدابير المتخذة لتعدلها، مسببة عدم استقرار في المنظومة المسيّرة للقطاعات الاقتصادية، فضلا عن تداخل القرارات بين الدوائر الوزارية لتفرض إنشاء لجان وزارية مشتركة لحل وتسوية ملفات تجرّ معها الملايير من الاستثمارات وآلاف مناصب العمل. على مدار الأشهر القليلة الماضية "تتساقط" قرارات الجهات المسؤولة مع تسارع الأحداث واشتداد الأزمة الاقتصادية، بينما يواصل سعر البرميل (المورد الأساسي للخزينة العمومية)، في تسجيل المستويات المتدنية على الرغم من جميع المحاولات الرامية لإنعاشه في ظل اتفاقيات خفض الإنتاج مع أعضاء أوبك ومن خارجه، لتنتهي الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة بما جاء في قانون المالية للسنة المقبلة، تحت غطاء تنظيم النشاط الاقتصادي وإعادة النظر في مجموعة القرارات المعلن عنها في وقت سابق. ومن هذه المنطلقات، تتواصل القرارات الحكومية أمس عن طريق وزارة الصناعة والمناجم، في إقصاء المتعاملين الاقتصاديين ومصانع التركيب المحلية من المزايا عند استيراد الأجزاء والهياكل الموجهة لعمليات التركيب، وبالتالي فرض رسوم عادية عليها خلال القيام بمعاملات التجارة الخارجية، أي تطبيق 30 في المائة من الرسوم الجمركية على غرار استيراد المنتجات النهائية، دون أدنى فرق، وهي الخطوة التي تخالف جل القرارات والتوجهات المعلن عنها من قبل الحكومة ذاتها أيام فقط قبل ذلك، حين أشارت وزيرة القطاع جميلة تمازيرت إلى أنّ ملف استيراد تجهيزات "سي كا دي" الموجهة للمصانع المحلية في الطريق الصحيح للحل، على خلفية اللقاءات المتكررة مع ممثلين عن الشركات المحلية، من أجل وضع البنود ذات العلاقة بدفتر الشروط الخاص بتنظيم المهنة. وبالموازاة مع ذلك، يعصف الإجراء الأخير بالبرامج المقررة من قبل الحكومة على مدار السنوات الماضية، حرصت من خلالها على وضع أسس لصناعة تركيبية في مجال الإلكترونيك، الأجهزة الكهرومنزلية وكذا الميكانيك وتركيب السيارات، لتتفطن بعد العديد من السنوات بأنّ هذه الفروع الإنتاجية لم تقدم القيمة المضافة المرجوة للنسيج الصناعي الوطني، بل أنّ الخزينة العمومية فقدت الملايير من الدولارات في شكل إعفاءات من تسديد الرسوم الجمركية، ناهيك عن الامتيازات الأخرى ذات العلاقة بالحصول على العقار الصناعي وغيرها. السيناريو ذاته تعيشه العديد من القرارات الحكومية وتلك الصادرة عن القطاعات الوزارية، في ظل الضبابية التي تعاني منها الرؤية لدى السلطات العمومية، كما هو الشأن بالنسبة للتدابير ذات العلاقة بإيداع الأموال في الحسابات البنكية بالعملة الصعبة، والتي تنص على ضرورة أصحابها عن مصدرها إذا كانت تساوي أو تزيد عن 1000 أورو، تطبيقا لنظام وجهته وزارة المالية للبنوك، على الرغم من أنّ التعليمة التي تحمل رقم 16/02 منصوص عليها في قانون المالية لسنة 2016، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ الميداني منذ ذلك الوقت، وبصرف النظر عن التناقض التي تحملها التعليمة في ثناياها في ظل غض الطرف عن ممارسات السوق السواء للعملة الصعبة، فإنّ وزير المالية محمد لوكال سرعان ما أعطى تفسيرا مغايرا لها، على اعتبار أنّها لا تتعلق سوى بالأجانب، بينما لا تنص التعليمة على هذه التفاصيل، ما يجعلها تطبق كما وردت من قبل البنوك والمؤسسات المالية. وبالمقابل من ذلك، فإنّ قرار الحكومة السابق القاضي بتجميد العمل بالتمويل غير التقليدي وتوقيف آلة طباعة النقود خلال السنة المقبلة، لم تلبث السلطات العمومية على لسان وزير المالية محمد لوكال في تصريحه الأخير، على التلويح بإمكانية إعادة بعثها على الرغم من أنّ قرار إلغاء العمل بها كان على أساس التقرير المعدة من قبل الجهات المسؤولة ذاتها أكدت على أنّها كانت تحمل العديد من التداعيات السلبية، لاسيما على معدلات التضخم وارتفاع أسعار المنتجات، وكذا انهيار قيمة العملة الوطنية.