* email * facebook * twitter * linkedin اعتبر الخبير الدولي والمستشار في الاستثمار الصناعي محمد سعيود، أن إعلان الحكومة عن العودة إلى استيراد السيارات المستعملة جاء لتدارك ما وصفه ب«الفشل الاقتصادي" الذي عرفته مشاريع تركيب السيارات، وهدفه "تهدئة الشارع في ظل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد حاليا، والحراك الشعبي المتواصل بمطالبه الإصلاحية"، محذّرا في سياق متصل من مغبّة اللجوء إلى هذا الإجراء، في حال عدم القضاء على السوق السوداء للعملة الصعبة لأن ذلك سيساهم في تشجيع ونمو هذه السوق وتراجع قيمة الدينار. ولا تشكل صيغة استيراد السيارات المستعملة من طرف المواطنين في حد ذاتها مصدر قلق بالنسبة للخبير الجزائري- الألماني، وإنما طريقة تحويل العملة التي تتم حاليا على مستوى السوق السوداء هي العائق الوحيد حسبه لافتا إلى أن إقرار مثل هذا الإجراء دون تصحيح الوضع سيؤدي إلى تشجيع اقتناء العملة من السوق السوداء وبالتالي تراجع قيمة الدينار. وقال الخبير في تصريح خص به "المساء" إن العودة إلى استيراد السيارات المستعملة من الخارج، سيؤدي إلى صرف أموال كبيرة على حساب الاقتصاد الوطني، وعلى حساب المواطن "الذي سيدفع سعرا مضاعفا عندما يقتني سيارة، بسبب ارتفاع قيمة صرف الدينار في السوق الموازية والحقوق الجمركية المرتفعة". وتأسف صاحب مكتب الاستشارات والدراسات في الاستثمار الصناعي، لكون مثل هذا الإجراء يأتي للتغطية على ما وصفه ب«احتيال القرن"، في إشارة منه إلى إقامة مصانع لتركيب السيارات "لم تعط أي مردود للخزينة الوطنية، وبالمقابل تحصل أصحابها على مزايا ضريبية وشبه ضريبية كبيرة وكذا إعفاءات من دفع الرسوم الجمركية وغيرها". وقال في هذا الصدد "من الغريب فعلا إقرار عودة استيراد السيارات المستعملة مع العلم بأن مصدر العملة الصعبة الرئيسي بالنسبة للمواطن الراغب في اقتنائها هو السوق الموازية... أي أن مثل هذا القرار يشجع هذه السوق. ولذلك الأجدر أن نقضي على هذه السوق ونسمح للمواطن باقتناء سيارة من الخارج حسب قدراته المالية، وعبر تحويل العملة في البنوك بطريقة عادية، مثلما يفعله الصناعيون الذين سمح لهم بتركيب السيارات هنا، والذين يتحصلون على العملة عبر السوق الرسمية وبقيمة الصرف الحقيقية التي يحددها بنك الجزائر". وتعليقا على المدافعين عن هذه الصيغة باعتبارها ستسمح للمواطن باقتناء سيارات بأسعار أقل من تلك التي يطبقها حاليا مركبو السيارات، أشار السيد سعيود، إلى أن ما سيحدث هو العكس لأن المواطن سيدفع ثمنا مضاعفا مقابل السيارة، بسبب تحويله للعملة في السوق السوداء التي قال إنها أصبحت بمثابة "المستعمر الجديد" الذي يتحكم في القدرة الشرائية للمواطنين. والسبيل الأوحد لحل كل هذه الإشكاليات وفقا لمحدثنا هو القضاء على سوق العملة الموازية ورفع منحة السفر التي تعد حاليا وهي في مستوى 100 أورو بمثابة "الصدقة" على المواطن، رغم أنه باستطاعته تحويل مبالغ كبيرة في البنوك الرسمية وبالتالي القضاء تدريجيا على السوق الموازية، "ما يؤدي حتما إلى القضاء على ظواهر سلبية عديدة ولاسيما تضخيم الفواتير وتهريب العملات إلى الخارج". وجدد الخبير بالمناسبة التأكيد على أن القضاء على السوق السوداء للعملة الصعبة وفي أقرب الآجال، يعد السبيل الوحيد لتطوير الاقتصاد الوطني والسماح بنمو الاستثمار بدل الاستيراد. يذكر أن وزير التجارة سعيد جلاب، صرح مؤخرا، أن العودة إلى استيراد السيارات المستعملة (أقل من 3 سنوات) يمكن أن يدرج ضمن قانون المالية للسنة المقبلة 2020، قائلا إن الملف يدرس حاليا من طرف فريق وزاري مشترك من كافة جوانبه، وأنه سيحول فور الانتهاء منه لمكتب الوزير الأول من أجل الفصل فيه. وتوالت المطالبات بعودة استيراد هذا النوع من السيارات بعد إلغاء الإجراء لفائدة وكلاء السيارات الجديدة المستوردة، الذين احتكروا هاته السوق لسنوات، إلى حين إقرار الحكومة بضرورة خفض فاتورة استيراد السيارات عبر إقامة مصانع لتركيب السيارات ببلادنا. هذا الخيار الذي اعتبر كوسيلة لخفض الواردات كان هو الآخر في فائدة نفس وكلاء السيارات الذين تحولوا إلى التصنيع، لكنهم اكتفوا باستيراد أجزاء السيارات بصفة كاملة وإعادة تركيبها، دون أي جهد في مجال الصناعة المحلية لهذه الأجزاء عبر المناولة وتحقيق الاندماج مثلما كان منتظرا، مقابل استفادتهم من مزايا هامة. والنتيجة كانت تكبّد الخزينة العمومية وجيوب المواطنين لخسارة كبيرة، ما دفع الحكومة الحالية إلى إعادة فتح هذا الملف لاسيما بعد إيداع بعض أصحاب هذه المصانع الحبس في قضايا فساد والتفكير في العودة إلى استيراد السيارات المستعملة.