نفى عميد مسجد باريس الجديد المحامي شمس الدّين حفيظ أنّ يكون قد استولى على عمادة المسجد بانقلاب، وأكّد في حوار ل "الخبر" أنّ تعيينه ثم انتخابه تمّ بإجماع أعضاء الجمعية العامة الحاضرين في اجتماع جمعية الحبوس الّتي تملك مسجد باريس الكبير، موضّحًا أنّ المساعدة الّتي تقدّمها الدولة الجزائرية لدعم تسيير المسجد تسير بشفافية تامّة، كما تحدث حول الاتهامات الّتي طالت شخصه وعائلته وحول تنازله لرئاسة الفترة الحالية للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وغير ذلك في هذا الحوار. كيف تمّ تعيينكم أو اختياركم عميدًا على مسجد باريس؟ تمّ ذلك باقتراح من سيادة العميد دليل بوبكر وأعضاء جمعية الحبوس لمسجد باريس وهي الجمعية الّتي تُسيّر المسجد منذ نشأته، وتمّ انتخابي بالإجماع. وكانت استقالة الدكتور دليل بوبكر من منصبه حيَّرت الجميع، حيث شرح مبرّرات تقديم استقالته الّتي تمثّلت في العبء الثقيل الّذي كان يحمله طيلة هذه السنوات ومشاكله الصحية وسنّه المتقدمة أيضًا، وأنّه أصبح لا يستطيع أن يحمل هذا العبء الثقيل. وقد تمّ كل هذا بطريقة توافقية مع القانون الداخلي لجمعية الحبوس الّتي تسيّر مسجد باريس.
ما تعليقكم على الانقسام الحاصل في مسجد باريس بعد تعيينكم على رأس المسجد، فمنهم مَن يعتبره انقلابًا وآخرون يرونه غير ذلك؟ لا أظن أن بعض النّاس جاؤوا إلى مسجد باريس ليسألوا كيف جرت هذه الانتخابات، وأنا على كلّ حال هادئ ومطمئن بعد انتخابي عميدًا للمسجد، وليس لدي أيّ مشكل. نحن جمعية خاصة، وبعد انسحاب العميد دليل بوبكر وتقاعده يشير القانون الأساسي للجمعية إلى أنّ الأمين العام هو مَن يخلف العميد ويأخذ رئاسة الجمعية وعمادة مسجد باريس. وقد قال العميد دليل بوبكر أمام أعضاء الجمعية العامة للأمين العام: أنا تَعِبتُ وأريد أن أتنازل لك عن كلّ صلاحياتي فيما يخصّ هذا المكان. فقال له الأمين العام: أنا لا أستطيع، وأقترح عليك أن تقترح شخصًا من بين أعضاء الجمعية العامة كي يخلفك. فقال دليل بوبكر: قضيتُ على رأس هذه المؤسسة مدّة 28 سنة، وأعرفها وأعرف كيف تسير، وأظن حسب رأيي أنّ الرجل الّذي يستطيع تحمّل هذه المسؤولية هو أستاذنا ولديه تجربة 20 سنة في المحاماة، وهو نائب رئيس المؤسسة ويعرف الإجراءات ويعرف أيضًا مشاكلها، ولأنّ أساس هذه المهمّة هو الدفاع عن المسلمين وعن المسجد. بعد ذلك قرّر جميع الأعضاء الّذي كانوا في المسجد ورفعوا أيديهم، وتمّ الانتخاب بالإجماع. فأين ما يقال إنه انقلاب؟ أنا لم أخرج من العدم، أنا محامٍ منذ 20 سنة، أعمل مع دليل بوبكر، وهو مَن أدخلني عضوًا في جمعية الأحباس الّتي تملك مسجد باريس، إذ عيّنني في البداية كأمين عام، وبعدها نائب رئيس.
لكن هناك اتهامات طالتكم، كإعطائكم دليل بوبكر 300 ألف أورو وولائكم لبوتفليقة؟ طالتني اتهامات كإعطائنا لدليل بوبكر 300 ألف أورو، وأنّي عملتُ مع بوتفليقة، وأنّي كنت محاميا لجبهة البوليزاريو، فأنا لي الشّرف الكبير أنّي دافعت على الجبهة، ولا ننسى أنّ دبلوماسية بلادنا تقول: حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها هو محور أساسي في الدبلوماسية الجزائرية. لم أكن مدعّمًا لبوتفليقة في العهدة الخامسة، بل كنت معه في العهدة الرابعة، وقمتُ بحملة له لأنّي كنتُ أرى آنذاك أنّه الرّجل المناسب في المكان المناسب. ويأتي اليوم بعض الحسّاد بعد انتخابي لعمادة باريس لتشويه صورتي وصورة عائلتي. عائلتي معروفة في الجزائر، أخي شهيد، وآخر تضرّر في سن ال16 بالرصاص، وأختي كانت عامل اتصال بين عليّ لابوانت والمجاهدين، وأمي كانت المرأة الأولى في "بي بي أ" آنذاك وعضو مؤسّس لاتحاد النساء الجزائريات في 1945م. ثمّ يأتي أشخاص يتّهموننا بالسرقة والإجرام. أنا جزائري، ولدي الوطنية في قلبي، بينما هم الجزائر في جيوبهم، هذه هي الحقيقة.
ما هي الأولويات الّتي ستركّزون عليها خلال الأيّام القليلة المقبلة في مسجد باريس وفي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؟ المهمّة الأولى لكلّ مسؤول مسلم هي العمل على حفظ كرامة المسلمين في فرنسا. وإنّي سأسير وفقًا لمبدأ هام هو أن أجعل من الإسلام عاملا للتّسامح والسّلام والأخوة، وأن نعود إلى البُعد الروحي للإسلام، حتّى نحفظه من كلّ اختراق سياسي. إنّها مهمّة صعبة وفي نفس الوقت مرهقة ومتعبة، لكن مع مستشاري ومساعدي في هذه المهمّة أود في مرحلة أولى أن أزور كلّ الجهات في فرنسا، الجهات الّتي تتواجد فيها الجالية المسلمة والمساجد، وبطبيعة الحال الّتي تنتمي إلى جمعيتنا، وأن أستمع إلى كلّ النّشطاء في هذه الجمعيات وكلّ المسلمين الّذين يودّون إبداء آرائهم. وفيما يخصّ المجلس الفرنسي للدّيانة الإسلامية، لدينا كذلك أهداف لا بدّ أن نسعى من أجل تحقيقها، وذلك بالاستشارة والحوار مع إخواننا في الفدراليات الأخرى، وهذا لمصلحة الأمّة المسلمة في فرنسا. وقد تمّ تعيين محمد الموساوي رئيسًا للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وقد دعمناه، وكان دعمنا في جوّ من الثقة والمسؤولية.
لماذا تنازلتم عن رئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؟ انتُخبتُ الأسبوع الماضي عميدًا لمسجد باريس، وبعده بأسبوع لكي أنتَخَب رئيسًا لهذا المجلس، قلت لهم لا أستطيع ذلك، وقلت لإخوتي المغربيين إنّ سي محمد الموساوي هو الّذي ربح الانتخابات، لأنّ لديه 18 ممثلا في هذا المجلس، ونحن كان لدينا في الحقيقة 6 إلى جانب 9 معينين، فيصبح لدينا 15 ممثلا، ولأنّهم جمعية جديدة، "اتحاد مساجد فرنسا"، ولديهم 18 ونحن لدينا 15 ممثلا. وهذه ال6 سنوات من فترة رئاسة المجلس تنقسم إلى 3 فترات، وكل فترة سنتين لكلّ واحد منّا، فيكون الموساوي رئيسًا في الفترة الأولى من 2020 إلى 2022، وأنا رئيسًا في الفترة من 2022 إلى 2024، والأخ التركي إبراهيم ألسي في الفترة من 2024 إلى 2026. وقلت لهم إنّي سأسخّر وقتي لتسيير مسجد باريس حتّى يكون مركز إشعاع لباريسوفرنسا والعالم إن شاء الله.
مع تفشي ظاهرة معاداة الإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا)، ما هي الحلول المناسبة للحدّ من الظاهرة من وجهة نظركم؟ تقول آنا أروند: في الفراغ الفكري يتمخّض الشرّ. الإسلاموفوبيا كلمة يمكن أن توظّف في فكرة معيّنة، وفي أوّل وهلة عند سماعنا لهذه الكلمة تتصوّر النّظرة المتخلّفة أو النّظرة القديمة عن الإسلام عندهم، قديمة بمعنى مضمحلة. ويوجد كذلك العنصريون، والعنصرية تبدأ بالتّعميم على الأخطاء الصغيرة، ولهذا أدعو الجميع إلى تحمّل مسؤولية شعورهم الداخلي، ومسؤولية كلّ واحد، حتّى يصبح الإسلام والمسلمون متيقنون بأنّهم لن يُشتبه بهم مع المتطرفين والظلاميين. وسأكون في نفس الوقت حازمًا عندما يتعلّق الأمر بالمسلمين ويُشار إليهم بسبب أخطائهم، وفي نفس الوقت لمّا يكون أشخاص يتّبعون الديانة الإسلامية يستغلّون بعض الألفاظ الحاقدة في اتجاه بعض المواطنين، مهما كانت كان اتّجاههم الدّيني، حتّى الملاحدة الّذين لا يؤمنون بشيء، قبل كلّ شيء نحن جزء من الإنسانية، ولا بدّ أن لا ننسى هذا.
من أين يُموّل مسجد باريس، وكيف؟ تُعدّ جمعية الحبوس الّتي تُسيّر مسجد باريس جمعية مستقلّة تشتغل وفق تشاور داخلي بإدارتها ومنتسبيها، ولدينا ارتباط تعاوني مع الدولة الجزائرية. والجزائر تعين مسجد باريس بميزانية سنوية بكلّ شفافية، حتّى يتمكن من تسيير نشاطاته بأمان. وفي هذا الإطار علينا عبء ثقيل وهو مهمّة تأطير وتكوين الأئمة في فرنسا، ومحاولة تهيئتهم في الميدان، وفقًا لاتفاقية بين وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف بالجزائر، وبيننا وكلّ الجمعيات الّتي تنتمي أو تتعامل مع جمعيتنا.
وهل من توضيح بشأن الميزانية الّتي تعطيها الدولة الجزائرية لمسجد باريس والمقدرة ب2 مليون أورو؟ تقدّم الجزائر ميزانية سنوية لمسجد باريس، وهذه الميزانية ليست بالملايير كما يعتقد النّاس، ولا تغطي جميع مصاريف المسجد، بل تساهم في تسييره، وهي بالتحديد 205 مليون دينار جزائري، ومعناها هنا 1.4 مليون أورو سنويًا. وبدأت الدولة الجزائرية تساعد مسجد باريس منذ سنوات 81 و82 لأجل إصلاحه وأداء الكثير من المهام في هذا المسجد، لأنّنا في بلد علماني. وقد ذهب آنذاك العميد الشّيخ حمزة بوبكر إلى الجزائر وطلب منهم مساعدته. ومنذ ذلك التاريخ والجزائر تساعد المسجد. ولا ننسى أنّ الدّعم الّذي تقدّمه الدولة الجزائرية للمسجد يَمرّ عبر المجلس الشعبي الوطني، ولدينا كلّ الوثائق حول المصاريف في تسيير المسجد. ويقدّم العميد كلّ عام هذه الحسابات للخبير القضائي، حيث يأتي هذا الخبير أمام الجمعية العامة ويقدّم كلّ شيء فيما يتعلّق بالميزانية. إذن، فأين المشكل هنا؟
لكن هناك من يقول 2 مليون أورو.. نعم، 2مليون أورو، لكن مع انهيار الدينار تنقص. خلال 5 سنوات خسرنا 1.5 مليون أورو بسبب انهيار صرف الدينار الجزائري، لأن الميزانية تبقى ثابتة في الجزائر، ومع تحويلها نخسر مليونا ونصفا، ورغم هذا لسنا في أزمة. وكلّ شيء يسير بشفافية تامّة. ولدينا في المسجد مداخيل تغطي المصاريف، ولدينا ميزانية واضحة، وكلّ عام لدينا ما يسمّى بمحافظ الحسابات، وهذا المحافظ ليس محاسبا، بل هو يصادق على الحسابات، ولمّا يرى ما يثير الرّيبة أو الشك يطرح عليك أسئلة، فإذا لم يكن لديك إجابات فإنّه يخبر النائب العام. هؤلاء الحسّاد يريدون أن يضربوا مصداقية المسجد، واتهامهم لمحافظ الحسابات بوضع تقرير يخالف الواقع هو اتهام خطير، لأنّه محافظ حسابات محلّف.
هل تعتقدون أن قضية تكوين الأئمة في فرنسا ستساهم في الحدّ من الاستنجاد بأئمة الخارج؟ يوجد اليوم عزم من طرف الدولة الفرنسية حتّى لا يُسمح لأئمة يأتون من الخارج، وأن يكون التكوين محليًا في المسجد، لأنّ الهدف هو تكوين الأئمة في فرنسا، وهذا الأمر فيما يتعلّق بحالنا. وفيما يتعلّق بمسؤوليتنا في مسجد باريس، فإنّنا منذ سنة 1993م ساهمنا في تكوين معهد الغزالي، وهو معهد للتّعليم الدّيني مكلّف بتكوين الأئمة والمرشدين، والإمام بحكم تكوينه الرّائع الّذي هو عبارة عن شيء مهمّ. والّذي يَهمّنا هو أن يُنير طريق المصلّين إلى طريق المعرفة والرِّقّة الرّوحية والأخلاقية، لذا يجب على الأمّة الإسلامية أن تحقّق أو أن تصارع.
كيف تستطيع أن تؤسّس لمواطنة فرنسية تقوم على قيم الإسلام؟ يعتبر المسلمون أنّ بلدهم فرنسا، وأغلبهم الشّباب المسلمون وهم فرنسيون أصليون، ولا بدّ عليهم أن يتحرّكوا حتّى يثبتوا قبل كلّ شيء أنّهم مواطنون فرنسيون، وهذا ليس معناه أنّ نكون في تناقض مع المسجد، بل نستطيع أن نكون مسلمين وفرنسيين. وسأبذل كلّ الجهد بالنّسبة للبيداغوجية اللازمة، وسأضاعف الجهد حتّى نُذكّر بأنّ الإسلام هذا الدّين الّذي هو منارة ونور يمكن أن يُعايَش ويَعيش كليةً على أنّه دين متجانس ومتفق مع الجمهورية الفرنسية، وهذا بُعد أذكّر به وأذكُرهُ لكلّ أبنائنا المسلمين.