مسجد باريس الكبير في فرنسا السلطات الفرنسية تستفيد من "الحرب الخفية" وصراع المواقع بين الجاليتين العشرية السوداء في الجزائر ساهمت في تراجع نفوذ الجالية الجزائريةبفرنسا يخوض الأشقاء المغاربة التابعون لهيئات ومنظمات إسلامية بأوروبا، وبفرنسا على وجه الخصوص، في السنوات الأخيرة، "حربا خفية" تهدف إلى التموقع بالمؤسسات الدينية لنزع المناصب الهامة التي كانت بحوزة الجزائريين طيلة السنوات الماضية، وقد وضعوا لذلك استراتيجية الإطاحة بعميد مسجد باريس الجزائري، دليل أبوبكر، من رئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، سنة 2008، من خلال وضع معايير تخدمهم وفق مخططهم المسطر، بالاعتماد على قانون وزارة الداخلية الفرنسية الذي يحدد التمثيل بمساحة أماكن العبادة. * وفي ذات الإطار، كشف ناشطون جزائريون في الجمعيات الإسلامية للمساجد الواقعة بالضواحي الباريسية وباقي المدن الفرنسية، في لقاء مع "الشروق اليومي"، عن سعي المغاربة المقدر تعدادهم ب500 ألف نسمة، منذ مطلع التسعينيات، إلى افتكاك رئاسة الجمعيات الإسلامية لبعض المساجد التي شيدها الجزائريون الذين يمثلون حوالي 4 ملايين نسمة. وقال محدثونا إن المغاربة قاموا كذلك - حسب استراتيجيتهم - بشراء مستودعات كبيرة تفوق بكثير حجم المصلين من أجل الحصول على أكبر قدر من مقاعد العضوية بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو الفضاء الذي أسسه الرئيس نيكولا ساركوزي، لجعله الممثل الرسمي الوحيد للمسلمين، بنية التحكم في نشاط المسلمين بفرنسا. * وبالفعل نجح المغاربة، حسب إحصائيات مسجد باريس الجزائري، من افتكاك رئاسة حوالي ألف مصلى ومسجد ما مقداره أربعة أخماس المساجد التي شيدها جزائريون، حيث فهمت السلطات المغربية ذات الأهمية التي عملت عليها الجالية الجزائرية، في السابق، ودعمت جاليتها لتخطو نفس الخطوات الجزائرية في التهيكل، واختارت الالتفاف حول المساجد واستطاعت افتكاك تسيير حوالي ألف مكان عبادة، كان الجزائريون هم السباقون لتأسيسها، وكان ذلك الأمر سنوات التسعينيات خلال الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر وانعكست على الجالية بغياب الرابط. * * مضاعفة الجهود للإطاحة بالجزائريين منذ الصائفة الماضية * * وفي الميدان، حققت الجالية المغربية - تنفيذا لاستراتيجيتها المسطرة - عضويتها بحوالي 5 مقاعد داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي تريده السلطات الفرنسية أن يكون بيد المغاربة لسهولة انقيادهم بدل الجزائريين، حسب العديد من رؤساء الجمعيات الإسلامية الجزائريين، وبالمقابل تحظى الجزائر بمقعد وحيد يضمنه مسجد باريس ويمثله شخص، دليل أبو بكر، والذي دعا الفرنسيين من أصول جزائرية إلى الانسحاب من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، مؤخرا، كاحتجاج من الجانب الجزائري على "اللامساواة" في تعداد مندوبي مسجد باريس - وما يمثله من ثقل بفرنسا - حيث راسل عميد مسجد باريس السلطات الفرنسية الممثلة في وزارة الداخلية لمطالبتها بمراجعة المعايير التي تحدد العضوية بالمجلس "سي.أف.سي.أم". * واستغل مسؤولو الهيئات الدينية المغربية التصريحات الأخيرة، التي نقلتها صحيفة إسرائيلية تزعم فيها أن عميد مسجد باريس مدح اليهود ووصفهم بالشعب المنظم، حيث دعا الأشقاء المغاربة إلى مسيرة حاشدة واعتصام أمام مسجد باريس يوم جمعة، أين حاولوا اقتحام المسجد، منذ أسبوعين فقط، وتزعم الاحتجاج تجمع "شيخ ياسين"، الذي يقوده الفرنسي - المغربي، عبد الحكيم سفريوي - وهو من استفاد من خدمات مسجد باريس سابقا، من خلال القيان بمعرض للكتاب الديني - وعلى إثر ذلك اتهم مسجد باريس، في بيان له، اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي يتزعمه المغربي، التهامي إبريز، بالدعوة الى خطوة تعتبر "سابقة خطيرة في تطبيق وممارسة الشعائر الإسلامية في فرنسا"، علما أن ذات الاتحاد يسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين، كما طبق مجلس الديانة الإسلامية بفرنسا الصمت حيال ما حصل بحكم أن قيادته حاليا تعود إلى المغربي، محمد الموساوي، الذي تسلم القيادة من عميد مسجد باريس، دليل أبو بكر، الصائفة الماضية من سنة 2008. * * الجالية الجزائرية تدعو السلطات لخلق جسر تواصل * * وفي ذات الإطار، تشكو الجالية الجزائريةبفرنسا، في لقائنا معها، من الفراغ وغياب المرجعية القوية التي تساندها في التهيكل والالتفاف حول قيادة ترسم الاستراتيجية المستقبلية لما يخدمها ويعطي الجزائر سندها في الساحة الدولية، باعتبار أن ذات الجالية تمثل الأغلبية، في دولة ذات ثقل في فضاء الاتحاد الأوروبي وتقود الحوار المتوسطي، كما تتخوف الجالية من انقطاع حبل التواصل مع الجيل الثالث من الأصول الجزائرية، خاصة وأن تجمع المغاربة بفرنسا يعمل على تنشيط عمليات "العزل المنظم" تجاه المسؤولين الجزائريين بالمؤسسات الدينية بفرنسا، كما يسعى المغاربة إلى قطع الطريق أمام جهود الجزائريين بمجرد بداية تحرك مسجد باريس لإطلاق هيئة جديدة تمثل المسلمين في فرنسا، تتشكل أغلبية المبادرين بها من أصول الجزائرية. * ويقول، صالح مرابطي، أحد قدماء فرع جبهة التحرير بأوروبا "الودادية"، في حديثه ل"الشروق اليومي"، إن حل "الودادية" تسبب في إضعاف تواجد الجالية الجزائرية وباقي عناصر الجيل الجديد من الأصول الجزائرية، في الواجهة الممثلة للجالية المسلمة بأوروبا، في حين يؤكد أن الجزائريين ظلوا ولفترات، الجالية الأكثر تمثيلا وقوة وتعدادا وحتى الأقدم بفرنسا، موضحا أن الجالية الجزائرية تبقى "لديها حقوق على فرنسا التي استعانت بالجزائريين للمحاربة إلى جانبها من عهد نابوليون إلى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا" ، قبل أن يكتوي أبناء الجزائر من ويلات فرنسا الاستعمارية. * * "الجالية بحاجة لمجلس استشاري يربط بين الوطن الأم وفرنسا" * * ويرى، جلول صديقي، نائب عميد مسجد باريس ومدير معهد محمد الغزالي لتكوين الأئمة والمرشدين بفرنسا، أنه يجب وضع مجلس استشاري بمثابة السند الأصلي لفيدرالية مسجد باريس التي هي أصلا تتكون من 8 فيدراليات جهوية، بالإضافة إلى رؤساء الجمعيات الإسلامية للمساجد والمهتمين بالقضايا الفكرية والدينية والاجتماعية. واعتبر صديقي أن المجلس المفترض أن يهتم بالقضايا السياسية والاجتماعية وبمهام رؤساء الجمعيات وأرباب العمل، حيث أن البعض منهم يرغب في نقل مصانعهم، سيكون همزة وصل بين الوطن الأم والجالية بفرنسا، مضيفا أنه "باختفاء الودادية" التي لعبت دورا هاما في الستينيات والسبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، فإن مسجد باريس أصبح لا يمكن أن يلعب دور الودادية وبحاجة إلى هيئة تكميلية لسد الفجوة. * من جهة ثانية، قال المتحدث إنه يجب تقوية التكوين وخلق علاقة عضوية بين وزارة الشؤون الدينية والمعهد لتصبح الفتوى بمسجد الجزائر هي المرجعية "لأنه الآن الجالية الجزائرية يعوزها المرجعية الفقهية"، مضيفا أن التكوين الخاص بالأئمة المرشدين عرف تكاملا بين معهد الغزالي بفرنسا ومعاهد بالجزائر وتحتاج العملية لتبادل الخبرات، بحيث يمكن لإمام خريج معهد الغزالي بالنشاط في أي معهد بالحزائر. * * تصريحات دليل لصالح الأكراد تسببت في عزوف الأتراك عن التصويت للجزائر * * يتشكل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي يضم أكثر من 5 ملايين مسلم، من سبع فيدراليات والممثلة في "أر أم أف" تجمع المغاربة بفرنسا، "أو أ أف" اتحاد المنظمات الإسلامية والذي تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين وتتواجد به جماعة الجزائريين المناضلين في حركة "حمس"، "جي أم بي" مسجد باريس الكبير المسير من قبل الجزائر، فيدرالية الأتراك التي أخذت موقفا ضد التصويت لصالح الجزائر بسبب تصريحات عميد مسجد باريس، دليل أبو بكر، سنة 2003، والتي أنصف فيها الأكراد، وفيدرالية الدعوة والتبليغ تضم تونسيين وجزائريين، فيدرالية الأفارقة تميل إلى الطرف الجزائري، بالإضافة إلى مساجد أخرى مجتمعة تحوز على صوت واحد وهي مسجد ليون يرأسه الجزائريون، مسجد الإصلاح بمرسيليا جزائري، مسجد إيفري يرأسه المغاربة ومسجد مونت لاجولي تابع للسعودية وكذا ليل دو رونيو لدول المحيط الهادي ويصوتون لصالح الجزائر. * وتضمن الفيدراليات السبعة عضوية 17 مقعدا، فيما كان المغربي، محمد الموساوي، قد حاز رئاسة المجلس صائفة 2008، وهو من أصل مغربي عن والده أما والدته فهي جزائرية. * * أرقام: * * يوجد 1784 مسجد ومصلى معتمد لدى وزارة الداخلية والأديان الفرنسية. * مسجد باريس تشرف على تسييره السلطات الجزائرية ويضم 50 مسجدا أغلبيتها للجزائريين. * حاز المغاربة على قرابة ألف مصلى فيما بقي تسيير 450 مصلى ومسجد صغير تابع للجزائريين. * يطمح مسجد باريس إلى تحقيق برنامج تشييد ألف مصلى ومسجد ويرعى 850 جمعية و250 إمام، وتصل قيمة المساجد بملايين الأورو.