في الماضي القريب كان غسل القطع النقدية المعدنية وتعقيم مقابض الأبواب والاجتهاد لتطوير سوائل معقمة منزلية وغيرها، سلوكات غريبة وحتى مجنونة، لكنها صارت اليوم مع جائحة "كورونا"، تعد أعلى درجات الوعي .. يجتهد الجزائريون يوميا لابتكار أساليب بسيطة وتقليدية، علاوة على المحاليل الكحولية والكمامات والقفازات البلاستيكية، لمواجهة سرعة عدوى فيروس "كورونا المستجد" ولسد عليه كل الثغرات التي يتنقل عبرها، "الخبر" رصدت تصرفات بسيطة لجأ إليها الكثير من الجزائريين لمقاومة احتمالات انتقال الوباء، في انتظار أن يتمكن العلماء من تطوير لقاحا مقاوما ل "الجائحة" على حد وصف منظمة الصحة العالمية. يصارع العالم بأسره كائنا مجهريا سريع العدوى وعصيا على العلاج .. حيّر العلماء وأدخل البشرية في أجواء الأفلام الهوليودية المرعبة، ولم يبقَ من أمل سوى في الخالق أولا، ثم مخابر العلماء وبعدها الإجراءات الاحترازية الحكومية وحتى الشعبية .. ففي هذا الظرف العصيب استنجد جزائريون بطرائق استباقية لتفادي الإصابة .. فالكثير من التجار عبر جل ولايات الوطن، قاموا بتعقيم الصناديق المخصصة للقطع النقدية المعدنية، عبر ملئها بالماء المختلط مع محلول الجافيل، في محاولة لقطع الطريق أمام تمدد الوباء. تغيرات جوهرية في المعاملات وبالجبهة الخلفية لا"لمعركة، شرعت ربّات البيوت في تعقيم مقابض الأبواب بماء الجافيل ومسح الأماكن كثيرة اللمس والتداول بالمعقمات الكحولية وكذا سوائل التنظيف الفعالة، بينما ذهبت أخريات إلى إجراءات "راديكالية" بإعادة ترتيب البيوت على نحو جديد يمنع تسلل الفيروس، وإبعاد كل ما من شأنه أن يكون ناقلا، كالأحذية والمعاطف والسراويل التي تم استعمالها خلال اليوم. ومن الجزائريين من لجأ إلى الأعشاب والزيوت لتقوية المناعة تحسبا لانتشار الفيروس، فأحد الأطباء ظهر في فيديو على منصات التواصل، نصح بالإكثار من زيت الزيتون ومشروب زريعة السرو و المقويات الطبيعية، وهي سلوكات لم تكن تحظَ بشعبية في الأيام القلية الماضية. وإن كانت نسبة الشفاء من الوباء عالية ولامست مستوى 80 بالمائة من مجمل الإصاباتمثلما، إلا أن الجزائريين، بعدما كانوا لا يبالون بالوباء وهو يحصد آلاف الأرواح، تغيروا جذريا وانتقلوا إلى النقيض، تماما مثلما كانوا على النقيض في الاستهزاء بالفيروس، فراحوا يتبنون تصرفات أحدثت تغيرات جوهرية على طبيعة العلاقات بين المواطنين والزملاء في العمل، حيث صارت المعاملات حذرة ومتباعدة ومحافظة على "مسافة الأمان"، واختفت منها تلك الحميمية المعتادة والقبلات الصباحية وغيرها من التحيّات التقليدية التي تتميز بها شعوب شمال افريقيا، بحسب ما لاحظت "الخبر" في جل الفضاءات العمومية والخاصة. الإجراءات الاحترازية برزت كذلك في سلوك المسؤولين إزاء مرؤوسيهم خلال الاجتماعات واللقاءات الرسمية الضرورية، حيث سجلت "الخبر" في عدة مناسبات قيام مديرين بإعفاء الموظفين الذين يعانون من زكام حاد وتظهر عليه أعراض الانفلونزا من الحضور إلى أماكن العلم، بل بلغ الأمر بمديرة متوسطة بالقبة بإخراج معلمين كانا يعانيان من انفلونزا حادة، وطلبت منهما مغادرة قاعة الإجتماع، قبل أن تشرع المسؤولة في لومهما على المجيء إلى العمل في مثل هذه الظروف الصحية الحساسة. وفجأة صعد مستوى الوعي لدى الجزائريين إلى أعلى درجاته، بعد أن كان قبل يومين "مبرمجا" على الاستهزاء بهذا الوباء القاتل، وزخرفة منصات التواصل بالتعاليق والصور الساخرة والقصص القصيرة المستوحاة من وحي الخيال وحتى الحقيقة، بحيث نقل الشباب طاقته الافتراضية إلى أفكار ميدانية إيجابية، وباشروا حملات تطوعية مكثفة لتنظيف الشوارع وتعقيم الفضاءات العمومية والخاصة، وكذلك من خلال تشكيل لجان شبابية وطلابية، تستغل على قضاء حوائج العائلات، تفاديا للتجمع والتكتل في المحلات، مثلما جرى بولاية الأغواط، عندما قام شباب باستعمال دراجات هوائية ونارية لنقل المشتريات. ففي منصات التواصل الاجتماعي استحدث ناشطون صفحة أطلق عليها "اللجان الشعبية للوقاية الجوارية" يساهم فيها الشباب بإدراج نصائح دقيقة وذات مصداقية، من بينها صور الكترونية مكتوب عليها "تفاصيل دقيقة تحدث التغيير" و "للبنات .. لا ترتدين الخواتم والأظافر الاصطناعية" و "للجميع عندا فتح الأبواب استعملوا مناديل ورقية وأرموها" .. "الفتيات صاحبات الشعر الطويل يتعين عليهم لمه". وانتبه رواد هذا الفضاء للكثير من جوانب الحياة التي كانت مهملة، وسلطوا عليها الأضواء قائلين "الهواتف من اليد إلى الجيب لا تضعوه فوق الطالاوت" و "لا تأكلوا في الشوارع" و "إذا تقودوا عدة سيارات يجب ارتداء قفازات" .. كلها سلوكات نصح بها هؤلاء واعتبروها مربط الفرس في محاصرة الوباء.