دفعت الأوضاع الاجتماعية الصعبة الناتجة عن التوقف عن العمل الذي فرضه تفشي وباء كورونا شريحة معتبرة من الجزائريين إلى التأقلم مع الوضع وتغيير المهن لكسب القوت اليومي لعائلاتهم، ليمتهن البعض تجارة الخضر والفواكه وصيد السمك، فيما لجأ البعض الآخر إلى بيع الخبز المحضّر في المنزل، وغيرها من المهن المؤقتة التي باتت رائجة في عز أزمة وباء كورونا تزامنا والشهر الفضيل. لم يترك الغلق الذي طال العديد من النشاطات التجارية والصناعية والخدماتية في إطار الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا، لفئة من الجزائريين الخيار في إيجاد حلول التأقلم مع الوضع والبحث عن أنشطة أخرى لكسب القوت اليومي للعائلة، فأمام تقلص حجم العمل نتيجة توقف ورشات البناء، وغلق المطاعم والمقاهي، وقاعات الحلاقة، ووسائل النقل، وحتى محلات الملابس والأحذية وغيرها، وجد الكثيرون أنفسهم أمام ضرورة البحث عن بدائل تنوعت ووصلت عند البحث إلى حد التسول.
سواق وقابضو حافلات نقل يمتهنون التسول لم يكن أكبر المتشائمين من سواق الحافلات وقباضها يفكرون يوما في أن يأتي يوم يجدون فيه أنفسهم أمام حتمية مد اليد لكسب قوت العائلة، غير أن أزمة كورونا فتحت أمام هؤلاء ولوج عالم التسول مضطرين، بعد أن سدت أمامهم آفاق إيجاد مهنة شريفة وعمل مؤقت يسدون به رمق أبنائهم وأفراد عائلاتهم. في هذا الشأن يكشف فاروق عموري، رئيس المكتب الولائي للاتحاد الوطني للناقلين الجزائريين بتيبازة ومنسق ولايات الوسط بالاتحاد، أن توقف نشاط النقل منذ 21 مارس الماضي أدى إلى انقطاع أرزاق أصحاب حافلات النقل، ومنهم العاملون بها من سائقين وقابضين الذين لم يجدوا طيلة فترة تفوق ستة أسابيع ما يسدون به رمق أفراد عائلاتهم، ليضطروا لمد اليد. ويعطي عموري مثالا عن سائقين وقباض حافلات وجدوا أنفسهم ملازمين للساحة العمومية بشرشال في ولاية تيبازة للتسول، حيث يقول عموري "هناك من يعيل عائلة من 5 أبناء أو أكثر ولم تترك له أزمة كورونا بديلا عن التسول"، وتابع "الوضع صعب ولا يمكن تحمّله، لذا لم يعد هناك ما يمنع من إيجاد حلول لسد جوع العائلة، حتى ولو كانت هذه الحلول التسول". وبحسب منسق ولايات الوسط لاتحاد الناقلين، فإن الكثيرين من السائقين وقباض الحافلات بحثوا عن مهن وأنشطة بديلة للتخفيف من حدة الأزمة، وحاولوا ولوج عالم الفلاحة، لكن غياب فرص العمل حال دون ذلك، ما دفع بمكتب الاتحاد إلى توزيع قفة التضامن على العشرات منهم، غير أن الكميات الموزعة تبقى غير كافية بسبب قلة تجاوب بعض رؤساء الدوائر مع هذه العملية التضامنية الموجهة لهذه الفئة لأسباب غير معروفة، بحسب المعني.
من عمال المطاعم ونادلو المقاهي إلى باعة على حواف الطرقات أمام الأزمة المالية التي ألمت بعائلات بأكملها نتيجة توقف معيلها عن العمل بالمطاعم والمقاهي، لجأ أرباب العائلات الناشطين في هذا الإطار إلى ولوج عالم تجارة الخضر والفواكه، وتحول سوق الجملة للخضر والفواكه بالحطاطبة بوسط البلاد إلى ملاذ لهؤلاء من أجل الخروج بأخف الأضرار من أزمة كورونا، من خلال اقتناء السلع بالجملة وطرحها للبيع على حواف الطرقات، من ذلك أمثلة يقف الطريق الوطني رقم 69 في محورها الرابط بين الحطاطبة إلى الشعيبة شاهدا عليها، أين وجد من كانوا بالأمس القريب عمالا في المقاهي والمطاعم أنفسهم باعة للخضر والفواكه على حواف الطرقات.
صيد الأسماك وبيعها لتخطي الأزمة في مكان قريب من الساحل البحري بالشواطئ الصخرية في تيبازة، يركن عمر سيارته ليحمل قصبته ووسائل الصيد وينزل إلى البحر من أجل قضاء ساعات رفع الحجر وحظر التجوال في صيد السمك، فقد دفعت الأزمة الوبائية بعمر وأمثاله ممن اعتادوا على الشغل كعمال موسميين ويوميين في ورشات البناء عند الخواص، وحتى الأعمال اليومية، إلى أن يجدوا مالا يسيرون به أسابيع الحجر الصحي، فقوت عائلة عمر بات مرتبطا بما يدره عليه البحر من أسماك تأتي بها قصبته التي يحملها كلما سنحت الفرصة، وفي الكثير من المرات يعود خالي الوفاض. ليس عمر فحسب من يعيش هذه الظروف، يقول إبراهيم متابعا "كثيرون من حولوا وجهتهم نحو البحر لصيد ما هو ممكن من أسماك لبيعها"؛ والغريب أن ظروف الأزمة أجبرت البعض على السباحة رغم الصيام من أجل الصيد بالبنادق لساعات، لتكون وجهتهم في الأخير المسمكات بالموانئ لبيع ما اصطادوه وتوفير مال لشراء حاجيات الأسرة.
من موظفين بمصانع ووكالات تجارية إلى باعة في الأسواق ببلدية بوسماعيل الساحلية بولاية تيبازة، دفعت إجراءات الغلق التي طالت العديد من الأنشطة التجارية بإحدى الوكالات التجارية لعلامة مختصة في إنتاج وبيع السيارات، إلى إحالة عمالها على بطالة إجبارية، واضطر معها بعض الموظفين بالوكالة من أبناء المنطقة إلى خوض رحلة بحث عن مصدر بديل للرزق إلى حين عودة الحياة الطبيعية والعودة إلى النشاط. هذه الرحلة انتهت ببعضهم إلى إيجاد أماكن لهم في عالم "البزنسة" (تجارة حرة)، "فكل الخيارات باتت مقبولة"، يقول أحد أبناء بوسماعيل؛ "لأن الأزمة الوبائية التي أضرت بمداخيل مئات العائلات لم تترك خيارا لأرباب الأسر". أما أمين الذي تم تسريحه رفقة مجموعة من العمال بأحد المصانع فلم يجد حلا غير نصب طاولته بالسوق البلدي وبيع فاكهة الموز حتى يغنيه هذا النشاط عن السؤال.