رحل، أول أمس، المناضل والمجاهد لمين خان عن عمر ناهز 89 سنة بعد مسيرة حافلة بالنضال والعطاء والوطنية، وهو المجاهد والطبيب وآخر أعضاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، فقد ساهم في عدة محطات رسمت نضال الشعب الجزائري، خاصة نضال الطلبة والطبقة المثقفة التي كان ينتمي إليها، فقد عاش الراحل فترتين حاسمتين من تاريخ الجزائر، أولاهما في ظل الاستعمار الغاشم، وبعد فترة الاستقلال والبناء والتشييد لهياكل الدولة. "الخبر" حاولت، في هذه الندوة، التقرب من مؤرخين ودارسين لمسيرة الرجل ومتتبعي خطوات نضاله التي بدأها وهو طالب في الثانوي. تحدث الأستاذ لونيسي من جامعة وهران 1 عن المراحل الأولى لانخراط الراحل في النضال الثوري، وقال إن لمين خان بدأ نضاله الوطني صغيرا، حيث انخرط في حزب الشعب - الحركة من أجل الانتصار للحريات الديمقراطية في 1946 وعمره لا يتجاوز15 سنة وهو تلميذ ثانوي، حيث يشير لونيسي إلى إنشاء لمين خان رفقة أربعة من زملائه ما سموه ب"الشباب الثوري الجزائري" في 1943 بهدف طرد الاستعمار الفرنسي، وهو التنظيم الذي لا يمكنه أن يأخذ أبعادا كبيرة، يقول لونيسي، فهو فقط تعبير عن طبيعة الذهنية الثورية لديه، وصرح ".. فأغلب الثوريين نجدهم قد قاموا بفعل مماثل لهذا في شبابهم، أي تأسيس تنظيم لا تأثير له، لكن هو حلم فقط نراه في حالة الطفولة أو الشباب، لنجدهم فيما بعد في تنظيمات كبرى، فقد كان لمين خان من ضمن هؤلاء مثله مثل الكثير جدا من الثوريين". يوافقه الرأي الدكتور عمر بوضربة، باحث وأكاديمي مختص في تاريخ الثورة الجزائرية، الذي أكد أن لنشأة وتكوين المجاهد الدكتور لمين خان دورا كبيرا في حياة الرجل النضالية، وقال في تصريح ل"الخبر"، إن لمين خان الذي ولد في سنة 1931 بمنطقة القل ولاية سكيكدة من عائلة وطنية، شبّ بعض أفرادها في النضال ضمن حزب الشعب الجزائري، أهّله للانضمام إلى صفوف هذه الحركة الثورية الطلائعية التي كانت تحمل على كاهلها آمال الشعب الجزائري في التحرر واسترجاع السيادة الوطنية، وهو صبي لم يبلغ الحلم بعد، حيث وزّع المناشير ودعا لمناصرة حزب الشعب الجزائري. ساهم في تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وحرّر بيان الإضراب قال الأستاذ رابح لونيسي إن الدكتور عبد الرحمن خان المعروف ب"لمين"، من القلائل الذين بقوا على قيد الحياة قبل أن يغادرنا أول أمس، من ضمن هذا الرعيل الذي يطلق عليه ب"الجيل الذهبي"، وذكر لونيسي في تصريح ل"الخبر"، أن لمين خان يعدّ من أبرز مؤسسي الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 1955 بحكم نضالاته الطلابية التي كانت مرتبطة بالنضالات الوطنية من أجل تحرير الجزائر، وأوضح أنه كان من المفروض أن يكون رئيس جمعية اتحاد الطلبة لشمال إفريقيا في 1952، لكنه فضل التنازل لبلعيد عبد السلام بحكم السن والسبق في النضال، بالرغم من أن بلعيد عبد السلام لم يكن حاضرا في انتخابات 1952، وقال: "طبعا، هذا المنصب الذي تولاه بلعيد عبد السلام جعله الأكثر بروزا من ضمن نضالات الطلبة فيما بعد، كما يقول هو بذاته في شهادته التي قدمها للباحث الأمريكي كليمونت مور هنري الذي جمع حوالي 30 شهادة لأبرز الفاعلين التاريخيين ضمن الطلبة أثناء الثورة التحريرية.. وما يلاحظ أن شهادة لمين خان كانت مقتضبة وقصيرة، ما يدل على ذهنيته التي تكثر من الفعل، وتقلل من الكلام الكثير بالرغم من أنه كان من أبرز هؤلاء الطلبة". أثبت لمين خان، حسب بوضربة، أنه كان مؤهلا علميا أيضا والدليل، حسبه، التحاقه بكلية الطب بجامعة الجزائر سنة 1950، وهو ما يثبت قدراته العلمية الراقية، حيث ستثري هذه التجربة الجديدة، حسبه، رصيده النضالي، إذ انضم إلى صفوف جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، وأصبح من روّاد النضال الطلابي في صفوف حزب الشعب الجزائري ومثّل الطلبة في مؤتمر "هورنو" في صائفة 1954 وعارض قراراته. وذكر بوضربة أنه بعد اندلاع الثورة الجزائرية، وضع لمين خان نفسه في خدمة قيادتها بمدينة الجزائر من خلال شخص عبّان رمضان الذي أصبح في اتصال معه منذ ربيع 1955 وأصبح مرافقه في كثير من تنقلاته واتصالاته بمدينة الجزائر. كما أشار عمر بوضربة إلى إسهام لمين خان في تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جويلية 1955، وترأس الاجتماع الذي عقده الاتحاد لاتخاذ قرار الإضراب الطلابي الشهير في 19 ماي 1956، وصرّح بأنه، حسبه، هو من حرر بيان الإضراب في 2014، بعدها قرّر لمين خان - يضيف المتحدث - الالتحاق بالجبل وبالوحدات القتالية لجيش التحرير الوطني بمنطقة الشمال القسنطيني، رفقة رفيق النضال الطلابي علاوة بن بعطوش، والتقى بالقائد زيغود في أكتوبر 1956 وكُلّف بالإشراف على النظام الصحي وتدريب وتكوين الممرضين في الولاية الثانية. كما تحدث الدكتور عبد الحميد دليوح من جامعة الجزائر 2، من جهته، عن مختلف المحطات التي عايشها الراحل لمين خان من جزائر الاحتلال والنضال، وقال في تصريح ل"الخبر"، إن المجاهد لمين خان قد شغل منصب كاتب دولة في الحكومة المؤقتة الأولى، وهو من مؤسسي الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 8 جويلية 1955 وكان على رأس فرع جامعة الجزائر رفقة صالح بلقبي وعلاوة بن بعطوش، وعضو أمانة الاتحاد الذي تحمّل، حسبه، المسؤولية التاريخية في إعلان إضراب 19 ماي 1956 التاريخي، وكان هو من تشرف بكتابة بيان الإضراب، في قرار ثوري فاجأ كل فروع الاتحاد الأخرى، وقال "نقل هذا الإضراب الثورة الجزائرية إلى أنساق أخرى، حيث امتد لهيبها إلى الجامعات والثانويات وتبناها الطلبة بعد أن كانت حبيسة المشاتي والجبال، وأعطى هذا الإضراب أيضا نفسا ثانيا للثورة الجزائرية بانخراط الطبقة المثقفة بالعمل العسكري والالتحاق بالجبال، خاصة كلية الطب، كما هو حال الفقيد الذي لم يكمل دراسته في الطب إلا بعد الاستقلال". كان يصرّ على أن إضراب 19 ماي 1956 صنيع الطلبة وليس جبهة التحرير تأسف الأستاذ لونيسي من عدم كتابة المجاهد لمين خان لمذكراته رغم غنى حياته النضالية، وصرح في هذا الصدد أنه حتى شهاداته كانت قليلة نوعا ما مقارنة بآخرين، لكن هذا لم يمنعه، حسبه، من التدخل لما يراه تصحيحا لشهادات زملائه الآخرين، أو ما يعتبره هو ويكرره دائما بأن شهادة فاعل تاريخي هي نسبية نوعا ما، وكل واحد يرى الأمور والأحداث من وجهة نظره. "ساهم في عملية البناء الوطني دون أن يكون من صانعي القرار" أكد الأستاذ لونيسي أن أكثر ما ارتبط بلمين خان أثناء الثورة هو تعيينه أمينا عاما للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وكذلك مشاركته في لقاء العقداء الأربعة بجيجل في نهاية 1958 إلى جانب كل من العقداء عميروش آيت حمودة وسي الحواس سي محمد بوڤرة وسي لخضر لإعادة تنظيم الثورة، فقد شارك، حسبه، فيه كمبعوث من علي كافي قائد الولاية التاريخية الثانية الذي يبدو أنه رفض المشاركة في هذا اللقاء الذي عقد في ولايته، وذلك بنصيحة من بن طوبال القائد السابق لهذه الولاية التاريخية الذي دخل في صراع حول النفوذ مع كريم بلقاسم، أو ما يسمى بالباءات الثلاثة (كريم بلقاسم، بوصوف، بن طوبال): "فقد كان رفض المشاركة لحسابات سياسية، حيث رأى بن طوبال ومعه بوصوف أنها مناورة من كريم بلقاسم، فتم إرسال لمين خان كمراقب وكمشاركة شكلية، وهو الذي لم يكن له تأثير كبير في صناعة قرار الولاية آنذاك باستثناء الجانب التقني، خاصة الصحي". يعتقد لونيسي أن شأن لمين خان في ذلك شأن أغلب الطلبة والمثقفين أثناء الثورة، الذين اقتصر دورهم في الجوانب التنفيذية والتقنية دون صناعة القرار أو التأثير فيه بشكل كبير جدا، وهو الوضع نفسه الذي بقي حتى بعد 1962. ويرى الدكتور لونيسي أن لمين خان كان مثل أغلب الطلبة الذين لعبوا دورا في عملية البناء الوطني، لكن ليسوا كصانعي القرار، بل مجرد منفذين، وأضاف ".. لهذا تولى لمين خان مناصب تقنية وغير مؤثرة في صناعة القرار، ومنها وزيرا للأشغال العمومية في عهد الرئيس بومدين أو كأمين عام للأوبيب لمدة سنة لا غير، وغيرها من المناصب التنفيذية والتقنية. كما تم توجيهه إلى العمل الدولي وكان آخرها رئيس منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية لأكثر من 10 سنوات (1975-1986)، ثم لم نر له أي تأثير كبير في صناعة الحياة السياسية بعد هذه الفترة بسبب تغييبه إعلاميا وسياسيا، للأسف الشديد، في الوقت الذي كانت الجزائر تحتاج لأمثاله، وهو المعروف بثقافته وحكمته العالية جدا. رحم الله لمين خان، وأسكنه فسيح جناته". كما أكد الدكتور بوضربة أنه بعد استرجاع السيادة الوطنية، وضع لمين خان نفسه في خدمة مؤسسات الدولة بعد استرجاع الاستقلال وأثبت ترفُّعه عن الولاءات الشخصية، ومكّنته كفاءته من تولّي عدة مناصب في الفترة الممتدة من 1963 إلى نهاية السبعينيات، من ضمنها وزيرا للإسكان والأشغال العمومية (66-1970). كما تولّى بعدها مناصب سامية، يضيف المتحدث، على الصعيد الدولي، أمين عام منظمة أوبك ورئيس الهيئة الدولية للتنمية الصناعية، فأحيل على التقاعد بعدها ليتفرّغ للمساهمة في التأريخ للأحداث التي عايشها في الثورة التحريرية بالخصوص، من خلال شهاداته المتسمة بالاتزان والموضوعية بشكل عام. وختم بوضربة كلامه بالقول إنه برحيل لمين خان، فقدت الجزائر رجلا حكيما ومناضلا وفيا ومسؤولا جمع بين الصراحة والتواضع. كان مشككا في نوايا ديغول بشأن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره يرى الدكتور بوضربة أن الآراء الصائبة للمين خان في الكثير من المسائل والمواقف جعلت حضوره في مداولات أوّل حكومة مؤقتة للثورة، أين سجل حضوره بقوة بعد أن عيّن فيها كاتبا للدولة في 19/9/1958. كما عايش لمين خان أزمة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الأولى في صائفة وخريف 1959، واجتماع العُقداء العشرة (اجتماع ال100 يوم). ومن بين المواقف التي تحتسب على الراحل، خاصة في التحديات التي واجهتها الحكومة المؤقتة الجزائرية، أشار بوضربة إلى مساهمة لمين خان في دراسة الرد على مبادرة ديغول 16/09/1959 بخصوص حق الشعب الجزائري في تقرير المصير، وقال إن لمين خان "كان مشكّكا في نوايا ديغول، واعتبر المبادرة مناورة لزرع الشقاق والانقسام بين قادة الثورة. كما كان من الرافضين لمقترح مهري في الرد على تصريح ديغول في 10/11/1959، والقاضي بتعيين الزعماء الجزائريين الخمسة المسجونين بفرنسا مفاوضين باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية". كما تقلّد مناصب هامّة أخرى في صفوف الحكومة المؤقتة، يضيف بوضربة، من ضمنها عضوية ديوان وزارة الداخلية في الحكومة الثانية "1960-1961"، حيث كلّفه بن طوبال بالإشراف على اتحاديات جبهة التحرير الوطني في كل من تونس والمغرب وفرنسا، ثم تولّى بعد ذلك مصلحة الشؤون المالية في رئاسة حكومة بن يوسف بن خدة (1961-1962) الذي كان يُقدّر كفاءته وإخلاصه.