أكد المجاهد لمين خان، كاتب الدولة في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أمس، أن أهم شيء تحقق مع ميلاد هذه الحكومة في ال 19 سبتمبر 1958 هو تحقيق الاعتراف الدولي بسيادة الدولة الجزائرية، مشيرا إلى أن إنشاء تلك الحكومة يعتبر تتويجا للانتصارات الدبلوماسية التي حققتها الثورة التحريرية، والتي أصبحت فيما بعد مثالا تقتدي به كل الحركات التحررية في العالم. وأوضح السيد خان خلال الندوة التي نظمتها جريدة المجاهد بالتعاون مع جمعية مشعل الشهيد حول ميلاد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وخصصتها هذه السنة لتكريم المجاهد الراحل عبد الحميد مهري الذي يعد أحد الأعضاء البارزين في هذه الحكومة، أنه من حيث الترتيب التاريخي لأبرز المحطات التي شهدتها الثورة التحريرية المظفرة، فإن ميلاد الحكومة المؤقتة يأتي في المرتبة الخامسة بعد أربعة أحداث كبرى عرفتها هذه الثورة تتمثل في اندلاعها في أول نوفمبر 1954، هجوم الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 ثم انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، مشيرا -في الوقت نفسه- إلى أن فكرة إنشاء هذه الحكومة المؤقتة كانت قد بزغت منذ اللحظات الأولى للثورة، "حيث قاد المجاهد الراحل عبد الحميد مهري التحركات الدبلوماسية مع الإخوة في تونس والمغرب ومصر لبلورة فكرة إنشاء هذه الحكومة". وأوضح المتحدث أنه اطلع على خبر ميلاد الحكومة المؤقتة من خلال الإذاعة، حينما كان مع عدد من المجاهدين في الجبل، حيث علم بتشكيلة هذه الحكومة التي ضمت 19 عضوا بقيادة فرحات عباس، وبتعيينه فيها في منصب كاتب دولة مكلف بالجهة الشرقية للبلاد، فيما تم تعيين عمر أوصديق كاتبا للدولة في منطقة الوسط، ومصطفى اسطمبولي كاتبا للدولة في الغرب، مذكرا بأن كافة أعضاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تم تعيينهم في عضوية المجلس الوطني للثورة، وأن غالبية أعضائها كانوا أعضاء في حزب الشعب الجزائري. بالمناسبة، أكد السيد لمين خان أن الثورة التحريرية كانت امتدادا لنضال حزب الشعب الجزائري وغيره من تشكيلات الحركة الوطنية، مما يستدعي -حسبه- ضرورة رد الاعتبار لكل أفراد هذه الحركة، بمن فيهم ميصالي الحاج الذي يبقى -حسبه- "رغم ما قد يكون ارتكبه من أخطاء أحد أبرز قادة الحركة الوطنية الجزائرية". وفي سياق متصل، أوضح المتحدث أنه "بفضل هؤلاء المناضلين الذين كنا نختلف معهم أننا اليوم عندما نسمع فرنسا تحاول تبرير أعمالها الشنيعة في الجزائر بكوننا كنا متطرفين ووحشيين، نذكر بهؤلاء الذين اعتمدوا الطرق السياسية السلمية معها ولم تستجب لمطالبهم"، ليخلص السيد خان في آخر مداخلته إلى أن أهم مكسب حققته الحكومة المؤقتة هو تحقيق اعتراف دولي بسيادة الجزائر التي أصبحت منذ تاريخ 19 سبتمبر 1958، دولة مستعمرة لها حكومتها الشرعية. من جانبه، اعتبر المجاهد والدبلوماسي صالح بلقبي في مداخلته أن التحرك الدبلوماسي لقادة الثورة التحريرية بدأ منذ اندلاع الثورة التحريرية، وبالضبط بعد شهر واحد من قيامها، حيث تم في ديسمبر 1954 العمل خلال الأشغال التحضيرية لمؤتمر "باندونغ" على برمجة القضية الجزائرية في جدول أعمال هذا المؤتمر، كما تم بعدها بذل كل الجهود لبرمجة القضية في جدول أعمال الجمعية العامة العاشرة للأمم المتحدة في سبتمبر 1955، مما يؤكد -حسبه- أن كل مرحلة من مراحل الكفاح المسلح من أجل استقلال الجزائر، حملت انتصارات لدبلوماسية الثورة، ليأتي ميلاد الحكومة المؤقتة كتتويج لكل تلك الانتصارات، ويرغم فرنسا على التفاوض الذي انتهى بالاعتراف بسيادة الدولة الجزائرية. وأبرز السيد بلقبي الدور الكبير الذي لعبه المجاهد الراحل عبد الحميد مهري في تأسيس هذه الحكومة المؤقتة، وكسب الاعتراف بها انطلاقا من منصبه كعضو مكلف في العلاقات مع دول شمال إفريقيا، غير أن المتحدث تأسف لكون السيد مهري الذي وافته المنية في ال 30 جانفي الماضي، والذي كان بمثابة الذاكرة المتنقلة، لم يدون الكثير من شهاداته التاريخية في الكتب والمدونات التاريخية. بدوره، أشاد المجاهد صالح قوجيل القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني بنضال المجاهد عبد الحميد مهري سواء إبان الثورة التحريرية أو بعد استقلال الجزائر، مبرزا شجاعته وحكمته في مجابهة الصعاب التي اعترضت مساره النضالي خلال المرحلتين. كما قدم بعض أصدقاء المجاهد الراحل شهادات عن مسيرته النضالية، وتدخل- بالمناسبة- نجله السيد سهيل مهري ليكشف عن جهود تبذل من قبل أصدقاء والده من أجل تجميع ما تمكن الراحل من كتابته في إطار مشروع المذكرات التي كان يحضر لها، وإخراجها في شكلها النهائي كشهادات تاريخية تستفيد منها الأجيال، ويكون ذلك في النهاية تحقيقا للأمنية التي أراد المجاهد عبد الحميد مهري تحقيقها. للتذكير، فقد كان المرحوم عبد الحميد مهري قد اقترح في ندوة نشطها العام الماضي اعتماد تاريخ 19 سبتمبر 1958 المصادف ليوم إعلان تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة كيوم لميلاد الدولة الجزائرية المتولدة من رحم الثورة المباركة.