كشف قرار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى محمد فقي بتلقي ما أسماه "أوراق الاعتماد" من دبلوماسية مغربية، تقدّم نفسها على أنها "الممثلة الدائمة لاتحاد المغرب العربي"، عن حجم العبث الواقع في هياكل هذا "الاتحاد" ومحاولة تحويله إلى أداة لخدمة مصالح حصرية لنظام المخزن وحاشيته، بدليل أن هذا الكيان الذي لم يكتمل تكوينه، رغم مرور أكثر من 4 عقود، أصدر قرارا من دون استشارة أعضائه، ضاربا عرض الحائط أبسط قواعد المعاملات والأخلاق والأعراف السياسية المعمول بها عالميا. يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور محفوظي شاكر عبد الرزاق أنه بالرغم من أن مشروع اتحاد المغرب العربي وُلد ميتا ولم يحقق أهدافه العلنية، بسبب وجود أهداف ومصالح ضيقة لبعض الأعضاء حينها، إلا أن المغرب ما يزال يريد استغلال جثته عبر سلوكات غريبة وتافهة، متجاهلا الأعراف السياسية والدبلوماسية الدولية. وأضاف محفوظي أنه رغم أهمية المشروع، فإنه لم تتوفر منذ التأسيس العوامل التي تؤهل المشروع ليحقق أهدافه. وتثبت الوقائع والمحطات التاريخية وظروف تأسيس المشروع، في نظر الجامعي، أن المغرب لم يكن عضوا فاعلا ومخلصا في هذا الكيان من البداية، إذ ظل يعمل على تحقيق أهداف خفية وضيقة، بدليل أنه تنصل وتخلى عن فكرة التفاوض مع التكتل الأوروبي بشكل جماعي، وراح يقيم مفاوضات وترتيبات أحادية وبينية. وعدّد المتحدث الأسباب التي أفشلت المشروع، وفي مقدمتها التشرذم في المفاوضات مع أوروبا بدل التفاوض بشكل موحد، بعد تفاوض المغرب وتونس بشكل منفرد. وتبخرت فكرة المشروع الوحدوي والتكاملي بسبب الحسابات الضيقة، يتابع محفوظي، في حين كانت الجزائر تؤمن بالهدف المشترك، بالرغم من أنها كانت الخاسر الأكبر من الناحية الاقتصادية، كونها مثلا، يقول الجامعي، فتحت حدودها مع جيرانها، وصارت السلع المدعمة داخليا تتدفق على الحدود وتباع بأسعار مرتفعة، ما سبب أضرارا كبيرة، ومع ذلك ظلت السلطات حينها وفية للمشروع. ويعتقد المتحدث أن المغرب كان هو المعرقل الأساسي للمشروع، وكانت مجرد مناورة منه، لأنها كانت متزامنة مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وبداية التسوية الأممية لمسألة الصحراء الغربية. ويرجح الأستاذ المختص في العالم العربي بأن المغرب كان يريد من المناورة إحراج الجزائر أو مساومتها بخصوص موقفها بشأن الصحراء الغربية، لكن لما تبين له أن الجزائر تفصل بين انخراطها في المشروع المغاربي التكاملي فعليا ومواقفها ومبادئها الثابتة، طالب بتجميد مؤسسات الاتحاد، وقام بفرض التأشيرة من جانب واحد على المواطنين الجزائريين، في سياق حدوث حادثة إرهابية من دون أي دليل. وأفاد محدثنا بأن المملكة المغربية معروفة بمناوراتها وطعنها في الظهر للجزائر عبر التاريخ، منذ مؤتمر طنجة الشهير، في حين سارت الجزائر في المشروع من خلال أنابيب الغاز التي تمر عبر تونس والمغرب، وما يترتب عنهما من آثار اقتصادية إيجابية. لذا، يعتبر الجامعي أن أسباب الإخفاق مؤسساتية مرتبطة بشروط المعاهدة التأسيسية التي تحمل في طياتها بذور فنائها، كشرط الإجماع وتساوي الأصوات، دون مراعاة الوزن الاقتصادي والسكاني لكل دولة على حدة، وغيرهما، بالإضافة إلى الأسباب السياسية التي تتمثل في استغلال المشروع في المصالح الضيقة، وطغيان النظرة القطرية لدى كل طرف على التصور المغاربي. ومن الأسباب أيضا: غياب البعد الاستراتيجي والرؤية المشتركة والتركيز على البعد السياسي، وتبعية المغرب لقوى أجنبية. وبالاطلاع على مهام الأمين العام في الوثيقة التأسيسية، كان يتعين على الطبيب البكوش التنسيق بين كل أجهزة وأعضاء الاتحاد قبل اتخاذ أي إجراء، مثلما ورد في المدونة التي تنص على أنه من بين مهام الأمين العام "ربط الصلة بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية والأمانات العامة للتجمعات العربية لتحديد ميادين التعاون، تعزيزا للعمل العربي المشترك، والتعاون مع التجمعات المماثلة الإفريقية والتجمعات والمنظمات الدولية الأخرى، وذلك بالتنسيق مع أجهزة الاتحاد". ويتبين، بالنظر إلى معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي، بأن الأمين العام خرق بقراره الانفرادي بنود الوثيقة التأسيسية التي تتحدث عن "انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين"، و"تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار". وتاريخيا، تأسس الاتحاد بعد مخاضات ومحاولات تعود إلى ما قبل استقلال البلدان المغاربية، وبعد الاستقلال كانت هناك محاولات تعاون وتكامل أخرى بين دول المغرب العربي، مثل إنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 لتنشيط الروابط الاقتصادية، وبيان جربة الوحدوي بين ليبيا وتونس عام 1974، ومعاهدة مستغانم بين ليبيا والجزائر، ومعاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائروتونس وموريتانيا عام 1983. ليتمكن قادة المغرب العربي من عقد اجتماع بمدينة زرالدة في الجزائر يوم 10 جوان 1988، وصدر بيان أوضح رغبة القادة في إقامة الاتحاد المغاربي وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي، ليعلن لاحقا عن عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17 فيفري 1989 بمدينة مراكش، من قبل 5 دول هي: المغرب والجزائروتونس وليبيا وموريتانيا.