كانت الجزائر محور مناقشات علنية احتضنتها غرفتي البرلمان الفرنسي نهاية الأسبوع، فيما ارتفعت أصوات من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، للتنديد بالممارسات غير الودية الصادرة ضد الجزائر في الفترة الأخيرة. ففي الجمعية الفرنسية تردد اسم الجزائر 29 مرة في جلسة الأسئلة إلى الحكومة عبر السؤال حول هجوم ميلوز الذي تورّط فيه رعية جزائري مقيم بطريقة غير نظامية، وقد أجاب عليه وزير الداخلية برونو روتايو، وسؤال جديد حول اتفاقية الهجرة لعام 1968 تكفل بالرد عليه وزير الخارجية جون نوال بارو، هذه الاتفاقية كانت أيضا محل نقاش بمجلس الشيوخ، حيث يجري النظر في إمكانية المطالبة بالتنصل منها، وقد استقطب النقاش اهتمام المجموعات البرلمانية الرئيسية مع ارتفاع أصوات من جناح اليمين والوسط تطالب بالتنصل منها. بالموازاة عقدت لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية في المساء، جلسة توجت بإصدار لائحة للمطالبة بالإفراج عن الكاتب الفرانكو جزائري، والتي تم اعتمادها بعد تعديلات عليها وسط امتناع اليسار وغياب الشيوعيين. واللافت في رد وزير الداخلية الفرنسي على السؤال المتعلق بهجوم ميلوز الذي خلّف مقتل رعية برتغالي، هو محافظته على نسق أفكاره المعادية للجزائر، حيث جدّد اتهامها بالمسؤولية غير المباشرة عن الهجوم لرفضها 14 طلبا لاستلام الفاعل، قائلا "لو نفذت التزاماتها الدولية ما كان هذا الهجوم ليقع". وذكر في رده بقرارات اللجنة الوزارية المشتركة حول الهجرة التي انعقدت قبل أسبوع بطلب منه والتي أقرّت ردا متدرّجا على الجزائر، بدءا بتقييد دخول حاملي جوازات السفر الدبلوماسية وتقديم قائمة تضم أسماء "مئات" من الرعايا الجزائريين ذوي"الملفات الخطيرة" ترغب باريس في إعادتهم إلى بلادهم، وعبّر في السياق ذاته، عن رغبته في إقامة علاقات هادئة مع الجزائر، لكن ليس على حساب أمن الفرنسيين. وفي رده على سؤال لنائب عن كتلة الجمهوريين بخصوص مصير اتفاقية الهجرة لعام 1968، أحال وزير الخارجية جون نوال بارو، صاحب السؤال على تصريحات الوزير الأول فرانسوا بايرو، الأسبوع الماضي، عقب اجتماع اللجنة الوزارية حول الهجرة والقرارات التي تم اعتمادها، ملوحا من جديد بإعادة النظر من جانب واحد في الاتفاقية، في حالة عدم تفاعل السلطات الجزائرية مع المهلة التي أعلن عنها الوزير الأول بايرو في ختام الاجتماع دون أدنى تذكير وإشارة إلى مواقف الرئيس الفرنسي ماكرون من المسألة. وكانت الاتفاقية في قلب نقاش بمجلس الشيوخ ارتفعت فيها أصوات تهاجم الجزائر، فطفت من جديد الدعوات للتنصل من الأعضاء الجمهوريين، فيما دعا متدخلون من اليسار لإطلاق حوار جزائري فرنسي حول ملف الهجرة. أصوات مناهضة وشدد عضو المجلس أحمد لعوج المنتخب عن الحزب الراديكالي، على أن التوترات القائمة بين الجزائروفرنسا هي محصّلة للمزايدات السياسية والإعلامية خدمة لأغراض انتخابية. وتساءل إن لم تكن هناك نوايا لإشعال حرب جديدة بعد التوترات مصطنعة، ما يدعو ، حسبه، للحذر في مواجهة هذه الانحرافات. وعرض البرلماني -جزائري الأصل- قائمة بالممارسات غير الودية الفرنسية مستحضرا تهديدات وزير الخارجية بالذهاب لتأليب الدول الأوروبية الأخرى لتشديد إجراءات دخول الرعايا الجزائريين للتراب الفرنسي، وتابع أن هذه السياسات تنطلق من مقاربة سطحية للعلاقات التي يجب أن تبنى على الاحترام المتبادل وليس التهديد. ونبه إلى أن اتفاق الهجرة الذي وقّع في ظروف خاصة، أصبحت قوقعة فارغة، واستدل بشروط الحصول على التأشيرة والإقامة للرعايا الجزائريين والتي لا تختلف حاليا عن رعايا الدول الأخرى، وأشار إلى أن النقاش حولها نقاش خاطئ، داعيا لوضع حد له، ممتدحا موقف الرئيس الفرنسي بخصوص الملف. وصدر موقف مماثل عن زميله الجزائري الأصل، أكلي ملولي، الذي احتج على الاستغلال السياسي لقضية الهجرة، لافتا إلى أن الاتفاق تم مراجعته ثلاث مرات بعيدا عن الأضواء، وأن الجزائر تجاوبت وتعاونت خلال المراجعات الثلاث التي تمت، وحمّل قوى سياسية فرنسية المسؤولية عن الحملة الإعلامية والسعي للتضحية بمحور الجزائر -باريس خدمة أغراض انتخابية. وتوقف عند ما وصفه بالتحريض على الجزائر (ألجيري فوبيا) والحديث عن الدور الإيجابي للاستعمار، والصمت على تصريحات لويس ساركوزي الداعية لإحراق السفارة الجزائرية دون أن يثير ذلك أي رد فعل رسمي فرنسي. وعرج في كلمته على التهديدات الصادرة عن الوزير الأول تجاه الجزائر (منح مهلة تحت طائلة فرض عقوبات) وتساءل إن لم تكن فرنسا متأثرة بأفعال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في علاج قضية الهجرة. واتبعه بأسئلة أخرى بخصوص إن لم تكن هذه الحملات والسياسات المعادية للجزائر تنازلات لحزب التجمع الوطني ليحمي الحكومة من السقوط. وتطرق في محاكمة له للسياسات الفرنسية ومنها الاعتراف قطرة- قطرة في مجال الذاكرة. وأشار إلى معطى أن فرنسا تضع نفسها في صورة الضحية في كل خلافاتها مع الدول الإفريقية، معبّرا عن خشيته أن تفقد باريسالجزائر كما فقدت مالي.