بعيدا عن الكلام «الديماغوجي» واستعمال لغة الخشب ومحاولة تبني منهج «خالف تعرف» في معالجة الظاهرة الجديدة، التي تحولت إلى موضة لدى عناصر المنتخب الوطني وتحولهم للعب في بطولات الخليج المغمورة، فإن المتمعن في الأسباب الحقيقية وراء تهافت يحيى وزملائه إلى قبول عروض الأمراء والشيوخ ورؤساء نوادي البترول، له ما يبرره دون التطرق إلى مسألة الحريات الفردية وحق العناصر التي اختارت الخليج كوجهة مستقبلية في رسم معالم جديدة لمشوارها الاحترافي بعيدا عن المستوى العالي في أوروبا. نوادي أوروبا لم تعد تهتم بالجزائريين وعروض الخليجيين جد مغرية أول الأسباب التي جعلت الوجهة الخليجية القبلة الأولى للعناصر الوطنية لن تخرج دون شك عن نطاق قلة العروض وتناقص الاهتمام بالعناصر الوطنية، وهو الأمر الذي لم يخفه لا بلحاج الموسم الفارط عندما صرح أن اختياره للانضمام إلى نادي السد القطري راجع إلى شح العروض، وتردد اسمه في أكبر النوادي العالمية كالبارصا وناديي روما إلاّ إشاعة خلقتها المواقع الرياضية، وحتى العروض التي وصلته من أندية أوروبية ككييفو فيرونا لم ترق إلى مستوى تطلعاته وكانت جد ضعيفة من الناحية المالية، ما جعله يفضل الوجهة القطرية، ونفس الأمر تكرر مع زياني الذي رفض التسول كما قال واختار نادي الجيش على عروض نواد أوروبية أرادت ابتزازه وتخفيض راتبه إلى عُشر ما كان يتقاضاه في فولفسبورغ، وهي أسباب كافية لجعل اختياراتهم منطقية. وضعية المنتخب في تصفيات كان 2012 عامل آخر غيّرت مواجهة مراكش الأخيرة ورباعيتها المذلة بوصلة توجهات العناصر الوطنية وفرضت على كوادر الخضر تغيير مقاييس دراسة العروض في هذا الميركاتو الصيفي من طموح الفريق وامتيازات المشاركة في مسابقة أوروبية إلى الاعتناء بالامتيازات المالية وقيمة عقود التحويل، حيث إنّ تصادف تلك الهزيمة مع نهاية الموسم جعل أغلب العناصر تتيقن أن منتخبنا بات بحاجة إلى معجزة كبيرة للمشاركة في الموعد القاري القادم المزمع إجراؤه بغينيا الاستوائية والغابون في جانفي من العام المقبل، ما دفعهم إلى الإحساس بقرب نهاية مشوارهم الدولي كون الموعد القاري المنتظر سنة 2013 قد لا تسنح لهم فرصة المشاركة فيه حتى وإن كان الخضر معنيين به سواء بخطف تأشيرة التأهل أو احتضان بلدنا لنهائياته وهذا لعدة اعتبارات أهمها عامل السن وكذا اختيارات «الكوتش وحيد» التي قد تسقط أسماءهم من القائمة. الكوادر على عتبة الثلاثين، والمنتخب أثرى مشوارهم نقطة أخرى قد تجعل من الأنانية انتقاد خياراتهم وهي وصول العناصر التي اختارت اللعب في بطولات بلدان الخليج لسن الثلاثين( زياني، عنتر وبلحاج من مواليد 1982)، وقرب نهاية مشوارهم الكروي الذي لن يتبقى منه في أحسن الحالات سوى أربعة مواسم، ضف إلى ذلك فإن المنتخب الوطني منح لهم فرصة إثراء رصيدهم بعديد المحطات التاريخية كالمشاركة في كأس إفريقيا وكذا المونديال الذي يعتبر الموعد العالمي الأهم ،وكثير من نجوم الكرة المستديرة لم تسنح لهم الفرصة للتواجد في محطته الأخيرة على غرار جورج ويا، الفنلندي ليتمانين، ونتائج المنتخب الأخيرة وخاصة مهزلتي بانغي ومراكش قضت على الأحلام بحضور الملتقى القاري القادم، الذي كان دون شك فرصة كبيرة لعدة عناصر لإعلان اعتزالها الدولي والخروج من الباب الواسع بعد أن ساهمت بقسط وافر في إسعاد ملايين الجزائريين والعودة بالكرة الجزائرية إلى سالف عهدها كقوة ضاربة على المستوى الإفريقي. كوادر الخضر فصلوا في خيارهم ومسؤولو الفاف مدعوون للتحرك وإذا كانت الرؤية المتجردة من المشاعر والاندفاع المفرط حفاظا على سمعة المنتخب الوطني ومستوى كوادره، تجعل خيارات ألمع لاعبي المنتخب الوطني منطقية، فإن الشارع الرياضي بات يضع يده على قلبه خوفا من تواصل السقوط الحر للتشكيلة الوطنية وتراجع مستواها في المنافسات الدولية والقارية، إلى درجة أن كل الآراء تشهر أصابع الاتهام نحو اللاعبين وتصفهم بالمتجردين عن روح الوطنية واللاهثين وراء خزائن شيوخ وأمراء الخليج على حساب مشوارهم الكروي والخضر بصفة عامة، ومهما اختلف المحللون والتقنيون المحليون والأجانب بين مؤيد ومعارض للظاهرة تبقى الحقيقة التي يجب الوقوف عندها أن تركيبة المنتخب الوطني أصبحت بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى عمل قاعدي كبير وإلى التدعيم بأسماء جديدة سواء من المغتربين أو من المحليين لبعث مشوار الخضر وبعث الحركية في منتخب محاربي الصحراء بالمواعيد القادمة.