رحلت المغنية القبائلية شريفة عن عمر ناهز 88 سنة بين ليلة الخميس إلى الجمعة الفارطة، بعد مسيرة فنية غنية جدا فاقت 63 سنة من العطاء الفني، وردية شملال واسمها الحقيقي، بدأت الغناء في سن مبكرة، وهي مطربة قديرة ومحترمة، احترفت الغناء في زمن كان ينظر فيه إلى الفن بعين العار، إلا أنها لم تتراجع وأصرت على اقتحام الميدان رغم العراقيل والصعوبات، وغنت للحب والوطن والفرح، وصالت وجالت في أرجاء المعمورة. سافرت إلى باريس بإلحاح من الجالية الجزائرية المتواجدة هناك، زارت أمريكا وانبهرت بها وبحسن الاستقبال والضيافة اللذين حظيت بهما، اختارت محيطها لتترجم من خلاله الكثير من الأمور التي استقبلها المستمع بشغف كبير، كحرقة الغربة والبعد عن الأحبة والوطن. مثلت الأغنية الجزائرية في العديد من الأماكن، استطاعت أن تتربع على عرش الأغنية القبائلية لسنوات، حيث كانت البساطة والصدق عنوانا لعطائها الفني، حيث ظلت طيلة مسيرتها الفنية الغنية تعمل بجهد وتحث الأجيال الجديدة على الإخلاص للفن، منتقدة غياب الإبداع وتكاسل الفكر في السنوات الأخيرة، إذ قالت في حوار ل "المساء" نشر بتاريخ 20 - 02 – 2008، "بدأت الغناء وعمري 17 سنة، ولأنني نشأت يتيمة، رباني أخوالي، ولا يمكن أن أصف لك الزوبعة التي أقاموها حين علموا بالأمر، كادوا يقتلونني لولا ستر الله، فالميدان الفني وقتها كان محرما على الرجال، فما بالك بالنساء! لكن رغم الاعتراضات صممت على دخول هذا العالم، عملت باحترام وبقيت محترمة إلى يومنا هذا. أول أغنية لي كانت بعنوان؛ (أبقى على خير أياقبو إيفوك الزهو). كانت حصة "أورار الخالات" من أحب الحصص إلى قلب المرحومة، حيث قالت فيها: "كانت تجربة جد جميلة مشحونة بذكريات حلوة مع زميلات المهنة، كانت عبارة عن جلسة فرح نسوية يعمها الطرب والغناء، فبواسطة الدف أو البندير والطار والدربوكة، كنا نقيم أعراسا عبر الأثير تتميز بنكهة خاصة، فنوبة (الخالاث) جعلتنا أكثر قربا من جمهورنا الذي شجعنا، وشجع هذه الحصة التي لا يزال يطالب بها إلى يومنا هذا.السيدة شريفة كانت تؤلف أغانيها بنفسها وعلقت على الأمر على أنه؛ "موهبة ربانية منحتني القدرة على التأليف والتلحين، فكل الأغاني التي أؤديها هي من باكورة فكري وإبداعي المستمد من التراث". عملت الحاجة شريفة رحمها الله طيلة مسارها الفني على نشر الفرحة في البيوت، وأنتجت العديد من أشرطة الأفراح في سوق "الكاسيت" لقناعتها بأنها تساهم في نشر الفرحة وسط العائلات لأنها بطبعها تحب الفرح ومشاركة الأسرة الجزائرية مسراتها، لذا كانت تركز على إنتاج هذه النوعية بالذات (والله يقوى الأفراح في بلادي)... هكذا قالت ل"المساء" يوما. أما فيما يخص النصيحة التي قدمتها للشباب المتهافت على الشهرة المؤقتة، فقالت: "يجب أن يدرك هؤلاء الشباب أن الشهرة الحقيقية التي لا تشوبها شائبة هي التي يبذل صاحبها جهدا ومقدرة للوصول إليها، فعلى الشباب التفكير جديا في الخلق والإبداع ليكون في مستوى العالم الذي اقتحمه، فدرب الفن ليس سهلا كما يتوقعه البعض، وبالموهبة، الجد والعمل نصل إلى النجاح، بالتالي إلى الشهرة المستحقة والدائمة. واستطاعت هذه الفنانة التي كرست حياتها للفن أن تنال حب الجماهير خلال مسيرتها الفنية، حيث تمكنت من نشر التراث الغنائي القبائلي الأصيل بأدائها المميز لما يعرف ب"أورار الخالاث" و"أشويق"، متربعة بذلك على عرش الأغنية القبائلية الأصيلة لأكثر من 50 سنة. وأثرت الفنانة الراحلة المكتبة الفنية القبائلية، حيث ألفت وغنت قرابة 1000 أغنية، 700 منها مسجلة بالإذاعة، نجد منها العاطفية والوطنية، من أشهرها "أزرزور" و"سنيوة إفنجالن".