المطربة القبائلية شريفة عملاقة من عمالقة الفن القبائلي الأصيل والملتزم، عرفت بفنها المتميز، وبصوت جبلي رخيم غنت '' أشويق'' ولمع نجمها في زمن وئد فيه كيان المرأة. تربت يتيمة الأبوين في بيت خالها بقرية تقع بولاية برج بوعريريج. سكنها شيطان الغناء والشعر منذ نعومة أظافرها وكسرت بذلك تقاليد الأسرة الأمازيغية، التي جبلت عليها منذ القدم وتخطت الخطوط الحمراء التي رسمها مجتمعها الريفي الذي ولدت وترعرعت فيه، رغم تهديد خالها لها بقتلها، إلا انها لم تخش ذلك صممت وعزمت على البقاء في الساحة الغنائية فهربت وغادرت دار أهلها ونفذت بجلدها وكانت وجهتها الجزائر العاصمة على متن عربة القطار البخاري وكان ذلك عام 1942 ، وعمرها لا يتعدى 16 سنة ، حيث استقبلتها الإذاعة الوطنية وفتحت لها أبوابها لتوصل صوتها الملائكي الأخاذ عبر حصة إذاعية ممتعة كانت تسمى ب '' أورار الخالات'' إلى المتلقي والتي أكسبتها شهرة واسعة. من هنا تفتقت موهبة شريفة الغنائية، وأضحت شعلة فنية متقدة أبدعت شعرا وشذت ألحانا شجية عذبة من ابتكارها تنبعث من أحبال حنجرتها الدافئة بين مروج قريتها الصغيرة. أنتجت قريحة ''نا الشريفة''، كما يحلو للبعض مناداتها، خلال مسيرتها الفنية التي تدخل عامها 66 ، تحت اسم مستعار فمن '' وردية'' إلى '' شريفة''، ما يربو عن 1000 أغنية في مواضيع تصب كلها في إطار اجتماعي متزن يخلو من الألفاظ المبتذلة أشهرها ''أبقى على خير أياقبو'' ، ''ثورى إيفوك الزهو'' ، '' يا زواو سمنديل أوراغ''، ''ذبرث فلي يا لحباب ويذ أغلاين'' و''أنزور الوالي'' ... ، ولم تتوقف شريفة عند حدود الجزائر، بل صالت وجالت بين ربوع أوروبا كما مثلت بلدها الجزائر في الأولمبياد، وسافرت بالفن الجزائري إلى بلد العم سام، وتجسد المطربة شريفة بذلك صورة المرأة المتمردة على العادات والتقاليد وكسرت قيود الأغلال التي كبلتها. والسؤال المطروح هنا هل نا الشريفة ستلقى نفس المصير من جلادها لو بقي حيا في زمن العولمة وتغير البنية التحتية لمجتمع بات يتأثر برياح التغيير المستمرة؟ وهل سيتركها فعلا تمارس هوايتها بكامل الحرية باسم التمدن والموضة والتفتح والعصرنة؟