رغم مرور سنتين على انتخاب رؤساء البلديات الذين تعهدوا بتحقيق التنمية والاستجابة لتطلعات مواطني العاصمة واستدراك الكثير من النقائص وغيرها من الوعود التي أطلقها هؤلاء، إلا أن الكثير منها لم يجسد على أرض الواقع لأسباب عديدة، منها الخلافات التي نشبت بين أعضاء المجالس المنتخبة ورؤساء البلديات حول كيفية تسيير الشؤون المحلية، وعجز عدد آخر من "الأميار" عن أداء هذه المهمة كونهم غير مؤهلين بسبب مستواهم العلمي المحدود، بالإضافة إلى نقص العقار الذي أبقى العديد من المشاريع حبيسة الأدراج، الأمر الذي عصف بأحلام المواطنين الذين لم يلمسوا لحد الآن الكثير من التغييرات ببلدياتهم. تعيش العديد من بلديات ولاية الجزائر وضعا غير لائق رغم الميزانية التي تخصصها السلطات المعنية لكل بلدية. وقد أكد والي الجزائر، السيد عبد القادر زوخ منذ أن تولى شؤون تسيير العاصمة قبل سنة من الآن، على ضرورة تحسين صورة العديد من البلديات وإخراجها من الجمود الذي تعرفه، وذلك نتيجة الصراعات التي لا تزال قائمة لحد الآن بين أعضاء المجالس المنتخبة الذين يلجؤون لتشكيل تحالفات لسحب الثقة من رئيس البلدية لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بالمصلحة الشخصية والأمور الخاصة بعيدا عن متطلبات المواطن وانشغالاته، أو انفراد هذا الأخير بالمسؤولية دون العودة إلى باقي الأعضاء في المجلس، وهو ما يؤدي إلى الانسداد وتعطل مصالح المواطنين مثلما هو الأمر ببلدية سيدي امحمد، التي لم تتمكن بعد من الخروج من هذه الحالة التي عاشتها مباشرة بعد نتائج محليات 12نوفمبر 2012، ما أدى إلى تعطل المشاريع التنموية وتعليق مصالح المواطنين، الذين يواجهون مشاكل اجتماعية عديدة تتصدرها البطالة والسكن ونقص الهياكل والمرافق الضرورية، وهو ما عرفته بلديات أخرى على غرار بلدية الدويرة التي علقت مصالح وانشغالات سكانها لفترة طويلة، بسبب الخلافات التي دشن بها المجلس الشعبي البلدي عمله، الأمر الذي عرقل السير الحسن وحال دون تجسيد العديد من المشاريع في وقتها، حيث لم يوفّق المنتخبون في ترقية هذه البلدية التي تعتبر من أقدم البلديات، مع ضعف ميزانيتها مقارنة بعدد سكانها والمساحة التي تتربع عليها والمقدرة ب 42 كلم مربع. من جهتها، عاشت بلديات أخرى مشاكل داخلية في بداية العهدة الحالية والتي عطلت أشغال المجالس المنتخبة التي رفضت تجاوز الخلافات وتركها جانبا والتفرغ لخدمة مصالح المواطنين الذين ينتظرون الكثير من مسؤوليهم المحليين، خاصة بالنسبة للذين احتفظوا بمناصبهم كرؤساء بلديات لعهدتين متتاليتين أو أكثر، حيث يملك هؤلاء خبرة في التسيير مقارنة بعدد كبير من زملائهم "الأميار" الذين خانتهم التجربة والمستوى العلمي المحدود وجهلهم بطرق التسيير وتحديد المشاريع ذات الأولوية، ما عطل التنمية في العديد من بلديات العاصمة التي لم تتمكن بعد من تلبية أهم مطالب وانشغالات المواطنين الذين يجدون أنفسهم رهينة الخلافات التي انتقلت عدواها في الفترة الأخيرة إلى بلديات أخرى، على غرار اسطاوالي، التي اتهمت مجموعة من أعضاء مجلسها "المير" بالانفرادية في تسيير الشؤون المحلية وإلغائه القرارات التي تتخذ في جلسات المداولات، وهي النقطة التي أفاضت الكأس، أيضا ببوزريعة وجسر قسنطينة التي هوّن رئيسها في تصريح ل"المساء" من تأثيرها على سير العمل داخل المجلس، متهما منتخبين سابقين بافتعال المشاكل وخلق جو غير ملائم للعمل لضرب استقرار المجلس، الأمر الذي أكده أيضا العديد من العارفين بالشؤون المحلية الذين أشاروا إلى أن مسيرين محليين سابقين ومنهم رؤساء بلديات لم يهضموا مسألة خروجهم من البلدية وتسليمها لغيرهم من أجل مواصلة المهمة، لذا نراهم يسعون لزرع الخلاف بالبلديات التي كانوا على رأسها، وكأن الأمر يتعلق بملكية خاصة وليس مسؤولية يتحملها هؤلاء الذين استغل بعضهم الزيارات الميدانية التي قام بها والي العاصمة، السيد عبد القادر زوخ في وقت سابق للتشويش على رؤساء البلديات الحاليين الذين فازوا بمنصب رئيس البلدية، منهم المسؤول الأول على بلدية بئر مراد رايس، الذي اضطر مؤخرا لرفع دعوى قضائية ضد 5 أعضاء من المجلس الشعبي البلدي، من بينهم "المير" السابق بجنحة القذف، التي راح ضحيتها "المير" الحالي الذي وجهت له اتهامات خطيرة مست سمعته المهنية. من جهته، لم ينه المجلس الشعبي البلدي لبابا احسن عامه الثاني منذ إجراء المحليات الماضية دون أن تنتقل إليه حمى الانسداد في الأيام القليلة الماضية، وهو الملف الذي سينظر فيه والي العاصمة عبد القادر زوخ، بعد أن قرر المنتخبون سحب الثقة من رئيس البلدية بسبب ما اعتبروه سوء تسيير واتخاذ قرارات انفرادية، حيث فشلت جميع محاولات الصلح التي قام بها الوالي المنتدب للدرارية، الذي عقد أكثر من اجتماع مع المنتخبين الراغبين في تنحية "المير" المنتخب عن حزب العمال، وبعثوا رسالة إلى والي العاصمة للنظر في الوضعية التي آلت إليها البلدية. كما عاشت بلديات المحمدية، برج البحري، هراوة وباب الزوار وضعية مماثلة في بداية العهدة الانتخابية الحالية، بسبب الاختلافات بين أعضائها المنتخبين، ما حال دون دفع عجلة التنمية بها رغم تجديد المجالس الشعبية التي علق عليها المواطنون آمالا كبيرة، حيث عجز هؤلاء عن تلبية أهم مطالبهم في المدة التي انقضت من عمر الفترة التشريعية الحالية التي تميزت بتولي عبد القادر زوخ مسؤولية تسيير شؤون العاصمة والذي لم يتوان عن تنحية بعض الأميار المتابعين قضائيا على غرار "مير" برج البحري و"مير" باب الزوار السابق المدعو علي سماري، المتابع في قضايا فساد وتلاعب بملكية أراضي الدولة وغيرها من التهم التي تخص عهدته السابقة، حيث لم يكملا تولي المنصب في العهدة الحالية، التي عصفت في الأيام الأخيرة من عامها الثاني المصادف ل 29 نوفمبر بمير بلدية بولوغين، نصر الدين زعتر، الذي أنهيت مهامه الأسبوع الماضي بعد صدور الصيغة التنفيذية لقرار المحكمة العليا بسجن المعني سنتين نافذتين بتهمة التزوير واستعمال المزور والاستيلاء على الملكية العقارية للدولة، وهذا في الوقت الذي ينتظر سكان هذه المنطقة تحسين وضعهم المعيشي المتدهور في العديد من الجوانب، إذ تبين ومنذ بداية العهدة الحالية أن السلطات المعنية لن تتسامح مع رؤساء البلديات المتورطين في قضايا سوء التسيير، في انتظار ما ستسفر عنه قرارات الوالي الخاصة بالمجالس التي تعرف خلافات بين أعضائها. وفي هذا الصدد، يرى العديد من المواطنين الذين تحدثت إليهم "المساء" أن تحقيق التنمية مرتبط بالاختيار الأمثل لممثليهم، من خلال وضع شروط معينة لاختيارهم في القوائم الانتخابية، وعدم قبول كل من هب ودب لتسيير شؤونهم، خاصة ما تعلق بالنزاهة والمستوى الثقافي والعلمي الذي يؤثر بصفة مباشرة على أداء رؤساء البلديات الذين يتحجج بعضهم بضعف الميزانية التي يدعمها المجلس الشعبي لولاية الجزائر بمبالغ هامة، حيث خصص 400 مليار سنتيم ل44 بلدية بالعاصمة تعاني عجزا ماليا، ضمن الميزانية الإضافية لسنة 2013 والميزانية الأولية والإضافية لسنة 2014. من جهتهم، عبر رؤساء بعض بلديات العاصمة ل"المساء" عن العقبات التي حالت دون تمكنهم من تحقيق المشاريع ببلديتهم وتجسيد المطالب الأساسية للمواطنين، معتبرين أن أهم عائق هو تراكم المشاكل الموروثة من العهدات السابقة التي لم تسمح للتنمية بالظهور بشكل لائق، فضلا عن تأخر انطلاق المشاريع المبرمجة بسبب ثقل الإجراءات القانونية وتأخر استلام الميزانية الخاصة بالولاية. من جهتنا، حاولنا إجراء لقاء مع مدير الإدارة المحلية لولاية الجزائر لمعرفة تفاصيل أكثر عن مشكل الانسداد بالبلديات وأثره على التنمية، غير أن المصالح المعنية رفضت ذلك بحجة حساسية الموضوع.