لا يزال سكان العديد من بلديات العاصمة يواجهون مشكل غياب التنمية المحلية وركودها بسبب سوء التفاهم بين المنتخبين الذين لم يتمكنوا من وضع خلافاتهم جانبا، والتفرغ لتجسيد الوعود التي أطلقوها منذ أكثر من سنة، حيث بقي الكثير منها مجرد كلام استعمل لاستمالة الناخبين الذين تبخرت أحلامهم بمجرد تولي الكثير من ”الأميار” مسؤولية تسيير شؤونهم عن طريق تحالفات هشة، أفرزت صراعات وحسابات ضيقة بين المنتخبين الذين تم توقيف العديد منهم وتعليق عضوية البعض الآخر كونهم متابعين قضائيا في تهم مختلفة، بقرار من والي العاصمة الذي اضطر إلى التدخل لوضع حد للنزاعات التي رهنت مصالح المواطنين الذين لاحقتهم ”لعنة” الانسداد منذ بداية العهدة التشريعية الحالية. رغم مرور سنة كاملة وثلاثة أشهر على الانتخابات المحلية التي جرت في 29 نوفمبر2012 وأفرزت مجالس و”أميار” من تشكيلات سياسية مختلفة، لم يخرج العديد من بلديات العاصمة من الركود التنموي الذي عرفته، فرمت الصراعات بظلالها على الجماعات المحلية بعد أشهر قليلة من مباشرة المنتخبين المحليين مهامهم التي لا تزال متواصلة إلى حد الآن، بسبب تعنت بعض المنتخبين الذين آثروا مصالحهم الشخصية على السعي لتحقيق التنمية المحلية وتجسيد الوعود التي ذهبت في مهب الريح، رافضين كل بوادر الصلح التي رهنت المشاريع الكثيرة المبرمجة منذ العهدة السابقة، نتيجة للتحالفات الحزبية الهشة التي تم على أساسها اختيار رئيس البلدية والتي بنيت في أغلبها على تحقيق مآرب شخصية وتقاسم مناصب المسؤولية عوض خدمة المواطنين الذين وجدوا في الزيارات الميدانية التي يقوم بها والي ولاية، الجزائر السيد عبد القادر زوخ، متنفسا لهم وفرصة للتعبير عن انشغالاتهم شفهيا أو عن طريق الرسائل المكتوبة، بعدما عجزوا عن إيصالها إلى مسؤوليهم الذين غرقوا في الصراعات.
محاولات الصلح تفشل بسيدي امحمد تعد بلدية سيدي امحمد بالعاصمة أحسن دليل على تهاون بعض المنتخبين واستخفافهم بانشغالات المواطنين التي بقيت حبيسة الأدراج منذ أشهر، بسبب الخلاف الذي لا يزال قائما بين رئيس البلدية و13منتخبا يواصلون مقاطعة جميع المداولات، رغم تدخل الوالي المنتدب للمقاطعة الإدارية لسيدي امحمد ومدير التنظيم بولاية الجزائر، وإبطالهما جميع التهم التي وجهت إلى رئيس البلدية الحالي، السيد نصر الدين زيناسني الذي أوضح ل”المساء” أن والي العاصمة قام خلال الأيام القليلة الماضية بتوقيف مداومة ستة منتخبين لإعطاء دفع للتنمية بالبلدية، بعد تعثر كل مبادرات الصلح بينه وبينهم وإصرارهم على سحب الثقة منه، إذ لا تزال معالم الانسداد قائمة لحد الآن مثلما لاحظناه خلال زيارتنا لمقر البلدية التي عبّر الكثير من الإداريين العاملين بها عن قلقهم من الوضعية التي آلت إليها وأدت إلى عدم المصادقة على ميزانية 2014، وهي المهمة التي سيقوم بها والي ولاية الجزائر هذه الأيام، حسبما صرح به رئيس البلدية ل"المساء”، مشيرا إلى أن جزءا من المنتخبين الذين تسببوا في الانسداد متابعون قضائيا بتهمة إمضاء وثائق غير قانونية، فالزائر إلى مقر هذه الأخيرة يلاحظ الغياب التام لأعضاء المجلس الذين يرفضون الالتحاق بمكاتبهم إلى غاية مغادرة رئيس البلدية الذي يتهمونه بسوء التسيير، غير آبهين بتعطل مصالح المواطنين الذين ينتظرون تجسيد المشاريع الكثيرة المعطلة، من جهتها، تعرف بلدية المحمدية وضعا مماثلا منذ عدة أشهر ولم تعرف قضيتها الانفراج لحد الآن، مما عطّل مصالح المواطنين والاستجابة لانشغالاتهم التي تبقى رهينة الخلافات القائمة بين ”المير” وعدد من المنتخبين، مما أدى، مثلا، إلى تأخر استلام المعاقين منحتهم، كما لم يتم بعد الإمضاء على المداولات والمصادقة على الميزانية ليتواصل الانسداد، مثلما أشار إليه رئيس البلدية السيد بلعيد خلوي ل”المساء”، موضحا أن المنتخبين ال 13 الذين تسببوا في الانسداد يواصلون تعنتهم وإصرارهم على تعطيل التنمية المحلية وأن بعض هؤلاء متابعون قضائيا وسيتم توقيفهم في حال ثبوت التهمة في حقهم، متوقعا انفراج الأزمة بالبلدية بعد أن قرر الوالي استعمال صلاحياته في الفصل في حالة البلديات التي تعيش هذا الوضع، حسبما ينص عليه قانون البلديات، حيث ينتظر - حسب المتحدث - أن يتخلى هؤلاء المنتخبون عن تعنتهم خوفا من توقيفهم من قبل الوالي وزوال مصالحهم ”لأنهم لم يأتوا لخدمة البلدية”، بل ما يهمهم هو الامتيازات التي يمكنهم الحصول عليها، مما انعكس بشكل سلبي على وضعية التنمية بهذه البلدية، بسبب تأخر انطلاق المشاريع التي ينتظرها سكانها الذين سحبوا ثقتهم بالمنتخبين المحليين الذين ينظر الكثير منهم إلى منصب مسؤول في البلدية على أنه تشريف وليس تكليفا، وهي الشهادة التي جاءت على لسان العديد من المنتخبين المحليين، على غرار رئيس بلدية المحمدية الذي قال بأن زملاءه في المجلس يخافون زوال امتيازاتهم.
بلديات غير مستقرة وأخرى تسيّر بالنيابة بدورها عرفت بلدية باب الزوار وضعا غير مستقر منذ الصائفة الماضية، حيث لم يصمد رئيسها السيد علي سمّار كثيرا في منصبه بعد فوزه بعهدة ثالثة في محليات نوفمبر 2012، بعد أن تم توقيفه في جويلية الماضي بسبب متابعاته القضائية التي تناقض قانون البلدية الذي يحرم ترشح أي كان للانتخابات وتوليه شؤون البلدية، إذ جرد المعني من كامل مهامه بعد 8 أشهر فقط من توليه المهام وتعويضه بالنائب المكلف بالعمران، السيد كرمية العمري الذي يسيرها بالنيابة منذ ذلك الوقت، في انتظار الفصل النهائي في قضية الأخير وعدد آخر من رؤساء البلديات التي لا تزال تسير بالنيابة بسبب تورط ”أميارها” في متابعات قضائية، على غرار ”مير” بلدية برج البحري، محمد قدور الذي تم توقيفه مؤخرا بسبب اتهامه بتزوير محررات، وهو نفس المصير الذي عرفه نائبه ناصر بن شابي الذي أوقف هو الآخر من قبل والي العاصمة، لمتابعتهما قضائيا بتهمة التزوير، استعمال المزور، سوء استغلال الوظيفة والتعدي على العقار، كما انتخب السيد مسعود قصري رئيسا للبلدية التي لاتزال في ذيل الترتيب كون كل ”الأميار” الذين تعاقبوا على تسييرها توبعوا بتهمة التعدي على العقار الذي تحول من نعمة إلى نقمة ليس في برج البحري فقط بل في العديد من البلديات، مثل هراوة التي يدفع سكانها مخلفات العهدات السابقة التي تميزت بالصراع حول العقار والتلاعب بقطع أراض التي امتدت إلى العهدة الحالية التي اعتقد الكثيرون أن مثل هذه الممارسات ولّت من غير رجعة بعد سن قانون البلديات الجديد الذي لم يوفق الكثير من المنتخبين المحليين في جعله مكسبا حقيقيا، بسبب خلافاتهم وأطماعهم في تحقيق مآرب شخصية، ما تأكد خلال الزيارة الأخيرة لوالي ولاية الجزائر إلى المنطقة، حيث حاصره الكثير من السكان، معبرين عن قلقهم من عدم تحسن وضعيتهم وغياب أهم المرافق بسبب الإهمال الذي ميّز المنتخبين الذين تولوا تسييرها، لكن هل توفق رئيسة بلدية هراوة التي انتخبت في العهدة الحالية في التكفل بالانشغالات ومواجهة بعض الطامعين، وهي التي تعثرت في بداية عهدتها عندما حاول بعض المنتخبين سحب الثقة منها؟.. وهي العقبة الحقيقية التي رهنت التنمية المحلية في هراوة وعدد من بلديات ولاية الجزائر التي يسعى مسؤولها، السيد عبد القادر زوخ، إلى جعلها في مصاف العواصم العالمية.