تسعى بعض النساء في مختلف بلديات بومرداس، خاصة في القرى والمداشر، للحفاظ على الإبداع الفني الذي ورثنه عن السلف، خاصة ما تعلق بالعمل الفني المسمى «الكروشيه»، وهي الحرفة اليدوية التي باتت تعرف تراجعا كبيرا في الآونة الأخيرة، بسبب التطورات الأخيرة التي شهدها قطاع الحرف بدخول الآلات الصناعية في الخدمة. وفي هذا السياق، ما تزال بعض العائلات في بومرداس تعمل على الحفاظ على الموروث الثقافي للمنطقة، ومنه «الكروشيه»، لاسيما في القرى التي تعرف انتشارا كبيرا لهذه الحرفة، ولعل مرد ذلك وجود العديد من الفتيات الماكثات في البيوت، واللواتي وجدن في هذه الحرفة مصدرا لملء أوقات الفراغ والاسترزاق أيضا. وما يميز هذا الفن اليدوي على وجه الخصوص، «غرزه» الكثيرة وحركات الإبرة السريعة والدقيقة، هذه الحركات في حد ذاتها تشكل لهن مفخرة وراحة نفسية عميقة أثناء الحياكة أو تشكيل تصاميم مختلفة، عادة ما يزين بها أثاث المنزل. ويكثر هذا الفن اليدوي الأصيل خصيصا في قرى «بني خليفة»، «تولموت»، «حدادة»، وهي المناطق التي تمارس فيها الفتيات «الكروشيه»، وقالت السيدة يمينة تيزاني القاطنة بمنطقة «حدادة» أنها تساعد زوجها المقعد، لتعيل أبناءها من خلال صنع العديد من الأشياء بواسطة «الكروشيه»، وبيعها خاصة للمقبلات على الزواج، مضيفة في حديثها إلى «المساء» أنها تجول عبر المنازل قرب منطقة سكنها لتبحث عن من يشتري القطع الفنية التي تصنعها. من جهتها، قالت خالتي حورية، وهي أيضا حرفية في صناعة «الكروشيه»، أنه يشترط في من تريد احتراف هذه الصناعة اليدوية الصبر والدقة في العمل والتركيز، حتى تتمكن الصانعة من حياكة الأشكال المرغوب فيها، كما أنها حرفة لا تتطلب أجهزة أو معدات ضخمة، إنما يجب أن تتوفر إبرة خاصة، تكون سميكة وحديدية الصنع حتى لا تنكسر أثناء الحياكة، بالإضافة إلى استعمال خيط خشن يتم بفضله صنع ما يعرف ب«السِماط» الذي يوضع فوق الطاولات وداخل الخزانة أو فوق الأرائك وغيره من أثاث للتزيين. من جهة أخرى، تعتقد دليلة، وهي طالبة جامعية، أن «الكروشيه» لم يقدر على الصمود أمام المنتجات المستوردة، خاصة الصينية منها التي تعرض بأسعار معقولة مقارنة مع ما تطلبه بعض حرفيات «الكروشيه»، لذلك أضحت هذه الحرفة اليدوية لا تجذب الفتيات اليوم نحو تعلمها..